الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لقد حق جواب لقسم محذوف، أي والله لقد ثبت ووجب القول الذي قلته لإبليس يوم قال: ( لأغوينهم أجمعين ) [الحجر: 39، ص: 82] وهو ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [هود: 119، السجدة: 13] على أكثرهم متعلق ب (حق)، والمراد سبق في علمي دخول أكثرهم فيمن أملأ منهم جهنم وهم تبعة إبليس، كما يشير إليه تقديم الجنة على الناس، وصرح به قوله تعالى: لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص: 85] .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا مانع من أن يراد بالقول لكن المشهور ما تقدم، وظاهر كلام الراغب أن المراد بالقول علم الله تعالى بهم ولا حاجة إلى التزام ذلك، وقيل: الجار متعلق بالقول ويقال قال عليه إذا تكلم فيه بالشر، والمراد لقد ثبت في الأزل عذابي لهم، وفيه ما فيه، ويؤيد تعلقه ب (حق) قوله تعالى: إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون [يونس: 96] ، ونقل [ ص: 214 ] أبو حيان أن المعنى حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل عليهم السلام من التوحيد وغيره وبأن برهانه وهو كما ترى.

                                                                                                                                                                                                                                      فهم أي الأكثر لا يؤمنون بإنذارك إياهم، والفاء تفريعية داخلة على الحكم المسبب عما قبله، فيفيد أن ثبوت القول عليهم علة لتكذيبهم وكفرهم وهو علة له باعتبار سبق العلم بسوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر، فإن علمه تعالى لا يتعلق بالأشياء إلا على ما هي عليه في أنفسها، ومآله إلى أن سوء اختيارهم وما هم عليه في نفس الأمر علة لتكذيبهم وعدم إيمانهم بعد الإنذار، فليس هناك جبر محض ولا أن المعلوم تابع للعلم. وقال بعضهم: الفاء إما تفريعية وكون ثبوت القول علة لعدم إيمانهم مبني على أن المعلوم تابع للعلم، وإما تعليلية مفيدة أن عدم الإيمان علة لثبوت القول بناء على أن العلم تابع للمعلوم ولا يلزم الجبر على الوجهين، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن العلم ليس علة مستقلة عند القائل بذلك بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه، فتأمل، والتفريع هو الذي أميل إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية