الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ( 23 ) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ( 24 ) )

يقول تعالى مخبرا عن قيل الهدهد لسليمان مخبرا بعذره في مغيبه عنه : ( إني وجدت امرأة تملكهم ) يعني تملك سبأ ، وإنما صار هذا الخبر للهدهد عذرا وحجة عند سليمان ، درأ به عنه ما كان أوعد به ; لأن سليمان كان لا يرى أن في الأرض أحدا له مملكة معه ، وكان مع ذلك صلى الله عليه وسلم رجلا حبب إليه الجهاد والغزو ، فلما دله الهدهد على ملك بموضع من الأرض هو لغيره ، وقوم كفرة يعبدون غير الله ، له في جهادهم وغزوهم الأجر الجزيل ، والثواب العظيم في الآجل ، وضم مملكة لغيره إلى ملكه ، حقت للهدهد المعذرة ، وصحت له الحجة في مغيبه عن سليمان .

وقوله : ( وأوتيت من كل شيء ) يقول : وأوتيت من كل شيء يؤتاه الملك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والآلة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 447 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي عبيدة الباجي ، عن الحسن ، قوله : ( وأوتيت من كل شيء ) يعني : من كل أمر الدنيا .

وقوله ( ولها عرش عظيم ) يقول : ولها كرسي عظيم . وعني بالعظيم في هذا الموضع : العظيم في قدره ، وعظم خطره ، لا عظمه في الكبر والسعة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولها عرش عظيم ) قال : سرير كريم ، قال : حسن الصنعة ، وعرشها : سرير من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ .

قال : ثني حجاج ، عن أبي عبيدة الباجي ، عن الحسن قوله : ( ولها عرش عظيم ) يعني سرير عظيم .

وقوله : ( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ) يقول : وجدت هذه المرأة ملكة سبأ ، وقومها من سبأ ، يسجدون للشمس فيعبدونها من دون الله . وقوله : ( وزين لهم الشيطان أعمالهم ) يقول : وحسن لهم إبليس عبادتهم الشمس ، وسجودهم لها من دون الله ، وحبب ذلك إليهم ( فصدهم عن السبيل ) يقول : فمنعهم بتزيينه ذلك لهم أن يتبعوا الطريق المستقيم ، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه ، ومعناه : فصدهم عن سبيل الحق ( فهم لا يهتدون ) يقول : فهم لما قد زين لهم الشيطان ما زين من السجود للشمس من دون الله والكفر به لا يهتدون لسبيل الحق ولا يسلكونه ، ولكنهم في ضلالهم الذي هم فيه يترددون .

التالي السابق


الخدمات العلمية