الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( 48 ) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ( 49 ) )

يقول تعالى ذكره : وكان في مدينة صالح ، وهي حجر ثمود ، تسعة أنفس يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وكان إفسادهم في الأرض ، كفرهم بالله ، ومعصيتهم إياه ، وإنما خص الله جل ثناؤه هؤلاء التسعة الرهط بالخبر عنهم أنهم كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، وإن كان أهل الكفر كلهم في الأرض مفسدين ، لأن هؤلاء التسعة هم الذين سعوا فيما بلغنا في عقر الناقة ، وتعاونوا عليه ، وتحالفوا على قتل صالح من بين قوم ثمود . وقد ذكرنا قصصهم وأخبارهم فيما مضى من كتابنا هذا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تسعة رهط ) قال : من قوم صالح .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) هم الذين عقروا الناقة ، وقالوا حين عقروها : نبيت صالحا وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به علم ، فدمرهم الله أجمعين . [ ص: 478 ]

وقوله : ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ) يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في أرض حجر ثمود ، ولا يصلحون : تقاسموا بالله : تحالفوا بالله أيها القوم ، ليحلف بعضكم لبعض : لنبيتن صالحا وأهله ، فلنقتلنه ، ثم لنقولن لوليه : ما شهدنا مهلك أهله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تقاسموا بالله ) قال : تحالفوا على إهلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

ويتوجه قوله ( تقاسموا بالله ) إلى وجهين : أحدهما النصب على وجه الخبر ، كأنه قيل : قالوا متقاسمين ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " ولا يصلحون تقاسموا بالله " وليس فيها " قالوا " ، فذلك من قراءته يدل على وجه النصب في " تقاسموا " على ما وصفت . والوجه الآخر : الجزم ، كأنهم قال بعضهم لبعض : اقسموا بالله ، فعلى هذا الوجه الثاني تصلح قراءة ( لنبيتنه ) بالياء والنون ، لأن القائل لهم تقاسموا ، وإن كان هو الآمر فهو فيمن أقسم ، كما يقال في الكلام : انهضوا بنا نمض إلى فلان ، وانهضوا نمضي إليه . وعلى الوجه الأول الذي هو وجه النصب القراءة فيه بالنون أفصح ، لأن معناه : قالوا متقاسمين لنبيتنه ، وقد تجوز الياء على هذا الوجه ، كما يقال في الكلام : قالوا لنكرمن أباك ، وليكرمن أباك ، وبالنون قرأ ذلك قراء المدينة ، وعامة قراء البصرة وبعض الكوفيين . وأما الأغلب على قراء أهل الكوفة ، فقراءته بالياء وضم التاء جميعا . وأما بعض المكيين ، فقرأه بالياء .

وأعجب القراءات في ذلك إلي النون ، لأن ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بينت من النصب والجزم ، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت ، وأكرهها إلي القراءة بها الياء ، لقلة قارئ ذلك كذلك . وقوله : ( لنبيتنه ) قال : ليبيتن صالحا ثم يفتكوا به .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال التسعة الذين عقروا [ ص: 479 ] الناقة : هلم فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا - يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث - عجلناه قبله ، وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته ، فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ; فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح ، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة . وقوله : ( وإنا لصادقون ) نقول لوليه : وإنا لصادقون ، أنا ما شهدنا مهلك أهله .

التالي السابق


الخدمات العلمية