الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (107) قوله تعالى : ففي رحمة الله : فيه وجهان : أحدهما : أن الجار متعلق بخالدون . و "فيها " تأكيد لفظي للحرف ، والتقدير : فهم خالدون في رحمة الله فيها ، وقد تقرر أنه لا يؤكد الحرف تأكيدا لفظيا إلا بإعادة ما دخل عليه أو بإعادة ضميره كهذه الآية ، ولا يجوز أن يعود وحده إلا في ضرورة كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1382 - حتى [تراها ] وكأن وكأن أعناقها مشددات بقرن



                                                                                                                                                                                                                                      كذا ينشدون هذا البيت ، وأصرح منه في الباب :


                                                                                                                                                                                                                                      1383 - فلا والله لا يلفى لما بي     ولا للما بهم أبدا دواء



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 345 ] ويحسن ذلك إذا اختلف لفظهما كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1384 - فأصبحن لا يسألنني عن بما به      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      اللهم إلا أن يكون ذلك الحرف قائما مقام جملة فيكرر وحده كحروف الجواب كنعم نعم وبلى بلى ولا لا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن قوله : ففي رحمة خبر لمبتدأ مضمر ، والجملة بأسرها جواب "أما " والتقدير : فهم مستقرون في رحمة الله ، وتكون الجملة بعده من قوله : هم فيها خالدون جملة مستقلة من مبتدأ وخبر دلت على أن الاستقرار في الرحمة على سبيل الخلود ، فلا تعلق لها بالجملة قبلها من حيث الإعراب .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : "فإن قلت : كيف موقع قوله : هم فيها خالدون بعد قوله : ففي رحمة الله ؟ قلت : موقع الاستئناف ، كأنه قيل : كيف يكونون فيها ؟ فقيل : هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر "اسوادت وابياضت " بألف ، وقد تقدم أن قراءتهما : تبياض وتسواد وهذا قياسها . وأصل افعل هذا أن يكون دالا على لون أو عيب حسي كاعور واسود واحمر ، وألا يكون من مضعف كأحم ، ولا معتل اللام كألهى ، وألا يكون للمطاوعة ، وندر "انهار الليل " و "اشعار الرجل " أي تفرق شعره ، إذ لا دلالة فيهما على عيب ولا لون ، وندر أيضا "ارعوى " فإنه معتل اللام مطاوع لـ "رعوته " بمعنى كففته ، وليس دالا على عيب [ ص: 346 ] ولا لون ، وأما دخول الألف في افعل هذا فدال على عروض ذلك المعنى ، وعدمها دال على ثبوته واستقراره ، فإذا قلت : اسود وجهه دل على اتصافه بالسواد من غير عروض فيه ، وإذا قلت "اسواد " دل على حدوثه ، هذا هو الغالب وقد يعكس قال تعالى : مدهامتان والقصد به الدلالة على لزوم الوصف بذلك للجنتين ، وقوله تعالى : تزاور عن كهفهم القصد به العروض لازورار الشمس لا الثبوت والاستقرار ، كذا قيل ، وفيه نظر محتمل ، لأن المقصود وصف الشمس بهذه الصفة الثابتة بالنسبة إلى هؤلاء القوم خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فذوقوا من باب الاستعارة ، جعل العذاب شيئا يدرك بحاسة الأكل والذوق تصويرا له بصورة ما يذاق . وقوله : بما كنتم الباء سببية ، و "ما " مصدرية ولا تكون بمعنى الذي لاحتياجها إلى العائد ، وتقديره غير جائز لعدم الشروط المجوزة لحذفه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية