الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وسهم لابن السبيل وهو المسافر أو من ينشئ السفر وهو محتاج في سفره . فإن كان سفره طاعة أعطي ما يبلغ به مقصده ، وإن كان [ في ] معصية لم يعط ; لأن ذلك إعانة على المعصية . وإن كان سفره في مباح ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يعطى ; لأنه غير محتاج إلى هذا السفر .

                                      ( والثاني ) يعطى ; لأن ما جعل رفقا بالمسافر في طاعة [ الله ] جعل رفقا بالمسافر في مباح كالقصر والفطر ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) السبيل في اللغة الطريق ويؤنث ويذكر وسمي [ ص: 203 ] المسافر ابن السبيل للزومه للطريق كلزوم الولد والدته والمقصد - بكسر الصاد - وقوله : غير محتاج إلى هذا السفر مما ينكر من حيث إن المباح يحتاج إليه لمصالح المعاش . قال الشافعي والأصحاب : ابن السبيل ضربان : ( أحدهما ) من أنشأ سفرا من بلد كان مقيما به سواء وطنه وغيره .

                                      ( والثاني ) غريب مسافر يجتاز بالبلد . فالأول يعطى مطلقا بلا خلاف .

                                      ( وأما الثاني ) فالمذهب الصحيح الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي رضي الله عنه وقطع به العراقيون وغيرهم ، أنه يعطى أيضا مطلقا ، وحكى جماعات من الخراسانيين فيه وجهين الصحيح هذا ( والثاني ) لا يعطى من صدقة بلد يجتاز به إذا منعنا نقل الصدقة ، وهذا ضعيف أو غلط . قال أصحابنا : وإنما يعطى المسافر بشرط حاجته في سفره ولا يضر غناه في غير سفره ، فيعطى من ليس معه كفايته في طريقه وإن كان له أموال في بلد آخر سواء كانت في البلد الذي يقصده أو غيره إذا لم يكن في بلد الإعطاء ، قال أصحابنا : فإن كان سفره طاعة كحج وغزو وزيارة مندوبة ونحو ذلك دفع إليه بلا خلاف ، وإن كان معصية كقطع الطريق ونحوه لم يدفع إليه بلا خلاف ، وإن كان مباحا كطلب آبق وتحصيل كسب أو استيطان في بلد أو نحو ذلك فوجهان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) يدفع إليه ، ولو سافر لتنزه أو تفرج فطريقان مشهوران ( المذهب ) أنه كالمباح فيكون على الوجهين ( والثاني ) لا يعطى قطعا ; لأنه نوع من الفضول وإذا أنشأ سفر معصية ثم قطعه في أثناء الطريق وقصد الرجوع إلى وطنه أعطي من حينئذ من الزكاة ; لأنه الآن ليس في سفر معصية ، وممن صرح به القاضي أبو الطيب في المجرد وغيره من أصحابنا .

                                      وحكى ابن كج فيه وجهين ( الصحيح ) هذا ( والثاني ) لا يعطى قال : وهو غلط . قال أصحابنا : ويعطى ابن السبيل من النفقة والكسوة ما يكفيه إلى مقصده أو موضع ماله إن كان له مال في طريقه هذا إن لم يكن معه مال لا يكفيه أعطي ما يتم به كفايته . قال ابن الصباغ والأصحاب : ويهيأ له ما يركبه إن كان سفره مما تقصر فيه الصلاة أو كان ضعيفا لا يقدر على المشي ، وإن كان قويا وسفره دون ذلك لم يعط المركوب ، ويعطى ما ينقل عليه زاده إلا أن يكون قدرا يعتاد مثله أن يحمله بنفسه ، قال [ ص: 204 ] السرخسي : وصفة تهيئة المركوب أنه إن اتسع المال اشتري له مركوب ، وإن ضاق اكتري له . قال أصحابنا : ويعطى ابن السبيل سواء كان قادرا على الكسب أم لا ، وسنعيد المسألة في آخر الباب إن شاء الله تعالى ، قال الرافعي : وهل يعطى جميع مؤنة سفره ؟ أم زاد بسبب السفر ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) الجميع وهو ظاهر كلام الجمهور ، قال أصحابنا : ويعطى كفايته في ذهابه ورجوعه إن كان يريد الرجوع ، وليس له في مقصده مال ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب ونص عليه الشافعي وحكى الرافعي وجها أنه لا يعطى للرجوع في ابتداء سفره ، وإنما يعطى عند رجوعه ، ووجها عن الشيخ أبي زيد أنه إن كان عزمه أن يصل الرجوع بالذهاب أعطي للرجوع ، وإن كان عزمه إقامة مدة لم يعط للرجوع ، والمذهب الأول ، قال أصحابنا : وأما نفقته في إقامته في المقصد - فإن كانت إقامته دون أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج - أعطي لها ; لأنه في حكم المسافر ، وله القصر والفطر وسائر الرخص ، وإن كانت أربعة أيام فأكثر غير يومي الدخول والخروج لم يعط لها ; لأنه خرج عن كونه مسافرا ابن سبيل ، وانقطعت رخص السفر ، بخلاف الغازي فإنه يعطى مدة الإقامة في الثغر وإن طالت ، والفرق أن الغازي يحتاج إليه لتوقع الفتح ، ولأنه لا يزول بالإقامة اسم الغازي بل يتأكد ، بخلاف المسافر ، وفيه وجه عن صاحب التقريب أن ابن السبيل يعطى وإن طال مقامه إذا كان مقيما لحاجة يتوقع تنجزها والمذهب الأول .

                                      قال أصحابنا : وإذا رجع ابن السبيل وقد فضل معه شيء استرجع منه سواء قتر على نفسه أم لا ، وقيل : إن قتر على نفسه بحيث لو لم يقتر لم يفضل ، لم يرجع بالفاضل ، والمذهب الأول ، وسبق في فصل الغازي بيان هذا وبيان الفرق بينه وبين الغازي حيث لا يسترجع منه إذا قتر ; لأن ما يأخذه الغازي يأخذه عوضا لحاجتنا إليه ، وقيامه بالغزو وقد فعل ذلك ، وابن السبيل يأخذه لحاجته إلينا وقد زالت ، قال أصحابنا : وكذا يسترد منه المركوب ، هذا هو المذهب ، وحكى الرافعي وجها أنه يسترد وهو غريب ضعيف جدا .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : إذا ادعى رجل أنه يريد السفر أو [ ص: 205 ] الغزو صدق وأعطي من الزكاة بلا بينة ولا يمين ، وقد سبق بيان هذا في فصل المكاتب ، والله تعالى أعلم ( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا أن ابن السبيل يقع على منشئ السفر والمجتاز ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يعطى المنشئ بل يختص بالمجتاز .



                                      ( فرع ) لو وجد ابن السبيل من يقرضه كفايته وله في بلده وفادة لم يلزمه أن يقترض منه ، بل يجوز صرف الزكاة إليه صرح به ابن كج في كتابه التجريد .




                                      الخدمات العلمية