الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 185 ] [ تعليق الطلاق ]

وألفاظ الشرط : " إن " و " إذا " و " إذا ما " و " متى " و " متى ما " و " كل " و " كلما " ، فإذا علق الطلاق بشرط وقع عقيبه وانحلت اليمين وانتهت إلا في " كلما " ، ولا يصح التعليق إلا أن يكون الحالف مالكا كقوله لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق ، أو يقول لعبده : إن كلمت زيدا فأنت حر ، أو يضيفه إلى ملك كقوله لأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو كل عبد أشتريه فهو حر . وزوال الملك لا يبطل اليمين ، فإن وجد الشرط في ملك انحلت ووقع الطلاق ، وإن وجد في غير ملك انحلت ولم يقع شيء ، وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول للزوج والبينة للمرأة ، وما لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها ، كقوله : إن حضت فأنت طالق وفلانة ، فقالت حضت طلقت هي خاصة ، وكذا التعليق بمحبتها ، ولو قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق ، وعبدي حر ، فقالت أحب طلقت ولم يعتق العبد ، ولو قال : إن ولدت غلاما فأنت طالق واحدة ، وإن ولدت جارية فثنتين فولدتهما ولا يدرى أيهما أولا طلقت واحدة ، وفي التنزه ثنتين ، ولو قال لها : إن جامعتك فأنت طالق ثلاثا فأولجه ولبث ساعة فلا شيء عليه ، وإن نزعه ثم أولجه فعليه مهر ، ولو كان الطلاق رجعيا تحصل المراجعة بالإيلاج الثاني .

التالي السابق


قال : ( وألفاظ الشرط : " إن " و " إذا " و " إذا ما " و " متى " و " متى ما " و " كل " و " كلما " ) لأنها مستعملة فيه وضعا . أما ( إن ) فشرط محض ليس فيه معنى الوقت وما وراءها فيها معنى الوقت على ما بيناه ، وكلمة ( كل ) ليست بشرط لأنها يليها الاسم ، والشرط ما يليه الفعل لأنه يتعلق به الجزاء وهو فعل ، إلا أنه لتعلق الفعل بالاسم الذي يليها ألحق بالشرط ، مثل قوله : كل عبد اشتريته فهو حر . قال : ( فإذا علق الطلاق بشرط وقع عقيبه وانحلت اليمين وانتهت ) لأن الفعل إذا وجد ثم الشرط فلا تبقى اليمين ( إلا في كلما ) فإنها لعموم الأفعال ، قال تعالى : ( كلما نضجت جلودهم ) الآية ، وإذا كانت للعموم يلزم التكرار ضرورة حتى تقع الثلاث المملوكات في النكاح القائم ، فلو تزوجها بعد زوج آخر ووجد الشرط لم يقع شيء خلافا لزفر لمقتضى العموم . ولنا أنه إنما علق ما يملكه من الطلقات ، وقد انتهى ذلك وهو الجزاء فتنتهي اليمين ضرورة .

قال : ( ولا يصح التعليق إلا أن يكون الحالف مالكا كقوله لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق ، أو يقول لعبده : إن كلمت زيدا فأنت حر ، أو يضيفه إلى ملك كقوله لأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق ، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، أو كل عبد أشتريه فهو حر ) لأنه لا بد أن يكون الجزاء ظاهرا ليكون مخوفا ليتحقق معنى اليمين وهو القوة على المنع أو الحمل ، ولا ظهور له إلا بأحد هذين .

[ ص: 186 ] قال : ( وزوال الملك لا يبطل اليمين ) لأنه لم يوجد الشرط ، ( فإن وجد الشرط في ملك انحلت ) اليمين ( ووقع الطلاق ) ، لأن الشرط وجد والمحل قابل للجزاء فينزل وينتهي اليمين لما مر .

( وإن وجد في غير ملك انحلت ) لوجود الشرط ( ولم يقع شيء ) لعدم قبول المحل ، وفي ( كلما ) لا تنحل اليمين بوجود الشرط حتى يقع الثلاث على ما بيناه ، ( وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول للزوج ) لأنه منكر ومتمسك بالأصل وهو العدم ، ( والبينة للمرأة ) لأنها مدعية مثبتة .

قال : ( وما لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها ، كقوله : إن حضت فأنت طالق وفلانة ، فقالت حضت طلقت هي خاصة ) ، والقياس أن لا تطلق لأنه شرط كغيره من الشروط . وجه الاستحسان أنها أمينة في ذلك ولا يعرف إلا من جهتها ، وقد اعتبر الشرع قولها في ذلك في العدة والوطء ، فكذا هذا إلا أنه في حق ضرتها شهادة وهي متهمة فلا يقبل قولها وحدها .

قال : ( وكذا التعليق بمحبتها ) وهو أن يقول : إن كنت تحبيني فأنت طالق وفلانة ، فقالت أحبك طلقت وحدها .

( ولو قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق وعبدي حر ، فقالت أحب طلقت ولم يعتق العبد ) لما ذكرنا ، ولا يتيقن كذبها لأنها قد تؤثر العذاب على صحبته لبغضها إياه ، ولو قال لها : إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق ، فقالت أحبك وهي كاذبة طلقت . وقال محمد : لا تطلق لأن المحبة إذا علقت بالقلب يراد بها حقيقة الحب ولم يوجد . ولهما أن المحبة فعل القلب فيلغو ذكر القلب فصار كما إذا أطلق ، ولو أطلق تعلق بالإخبار عن المحبة كذا هذا .

[ ص: 187 ] قال : ( ولو قال : إن ولدت غلاما ، فأنت طالق واحدة ، وإن ولدت جارية فثنتين فولدتهما ولا يدرى أيهما أولا طلقت واحدة ، وفي التنزه ثنتين ) لأن الواحدة متيقنة وفي الثانية شك فلا يقع في القضاء ، والأحوط أن يأخذ بوقوع الثنتين وانقضت العدة بيقين ، لأن الطلاق وقع بالولد الأول وانقضت العدة بالثاني .

قال : ( ولو قال لها : إن جامعتك فأنت طالق ثلاثا فأولجه ولبث ساعة فلا شيء عليه ، وإن نزعه ثم أولجه فعليه مهر ، ولو كان الطلاق رجعيا تحصل المراجعة بالإيلاج الثاني ) ، وعن أبي يوسف : أنه يجب المهر باللبث في الثلاث ويصير مراجعا به في الواحدة لوجود الجماع بالدوام عليه ، إلا أنه لا يجب الحد للاتحاد . ولهما أن الجماع إدخال الفرج ولا دوام للإدخال . أما إذا أخرج ثم أدخل فقد وجد الإدخال بعد الطلاق ، ولم يجب الحد لشبهة الاتحاد من حيث المجلس والمقصود ، وإذا لم يجب الحد يجب العقر ، لأن الوطء لا يخلو عن أحدهما .




الخدمات العلمية