الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 410 ] النوع الرابع والأربعون

في الكنايات والتعريض

في القرآن

اعلم أن العرب تعد الكناية من البراعة والبلاغة ؛ وهي عندهم أبلغ من التصريح . قال الطرطوسي : وأكثر أمثالهم الفصيحة على مجاري الكنايات .

[ ص: 411 ] وقد ألف أبو عبيد وغيره كتبا في الأمثال .

ومنها قولهم : " فلان عفيف الإزار " و " طاهر الذيل " و " لم يحصن فرجه " .

وفي الحديث : كان إذا دخل العشر أيقظ أهله ، وشد المئزر . فكنوا عن ترك الوطء بشد المئزر ، وكنى عن الجماع بالعسيلة ، وعن النساء بالقوارير لضعف قلوب النساء .

ويكنون عن الزوجة بربة البيت ، وعن الأعمى بالمحجوب والمكفوف ، وعن الأبرص بالوضاح ، وبالأبرش ، وغير ذلك .

[ ص: 412 ] وهو كثير في القرآن قال الله - تعالى - : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم ( البقرة : 235 ) .

والكناية عن الشيء ؛ الدلالة عليه من غير تصريح باسمه . وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ؛ ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود ، فيومي به إليه ، ويجعله دليلا عليه ، فيدل على المراد من طريق أولى ؛ مثاله ، قولهم : طويل النجاد ، وكثير الرماد ؛ يعنون طويل القامة ، وكثير الضيافة ، فلم يذكروا المراد بلفظه الخاص به ، ولكن توصلوا إليه بذكر معنى آخر ، هو رديفه في الوجود ؛ لأن القامة إذا طالت طال النجاد ؛ وإذا كثر القرى كثر الرماد .

وقد اختلف في أنها حقيقة أو مجاز ، فقال الطرطوسي في العمد : قد اختلف في وجود الكناية في القرآن ، وهو كالخلاف في المجاز ؛ فمن أجاز وجود المجاز فيه أجاز الكناية ؛ وهو قول الجمهور ، ومن أنكر ذلك أنكر هذا .

وقال الشيخ عز الدين : الظاهر أنها ليست بمجاز ؛ لأنك استعملت اللفظ فيما وضع له ، وأردت به الدلالة على غيره ؛ ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له ، وهذا شبيه ؛ بدليل الخطاب في مثل قوله - تعالى - : فلا تقل لهما أف ( الإسراء : 23 ) انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية