الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 115 ] 375 - باب بيان مشكل ما جاء في السبب الذي نزلت فيه أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ... الآية مما أضيف إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مما نحيط علما أنه لم يقله رأيا ، وإنما قاله توقيفا .

2336 م - حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال : حدثنا محمد بن هشام السدوسي قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنيون وثبت الإنسيون على عبادتهم ، فهم الذين قال الله عز وجل : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب .

[ ص: 116 ]

2336 م - حدثنا داود بن إبراهيم بن داود الفارسي أبو شيبة قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبد الله بن معبد الزماني ، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عمه عبد الله بن مسعود قال : نزلت بنفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن ، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون بذلك ، يعني : قوله عز وجل : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

[ ص: 117 ] فأنكر منكر هذين الحديثين وقال : إنما أريد بهذه الآية . فذكر ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يبتغون إلى ربهم الوسيلة . عيسى وعزير صلى الله عليهما والملائكة .

وقال هذا المنكر : الذين علمنا أنهم عبدوا من دون الله عز وجل لا من سواهم من الجن .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن ما قال ابن مسعود رضي الله عنه في ذلك أولى مما قاله مجاهد فيه لموضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والجن ، فقد وجدنا الله عز وجل أنبأنا في كتابه أن بعض الإنس قد كانوا يعبدونهم بقوله عز وجل : ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون .

[ ص: 118 ] ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل الآية التي أتينا بهذا الكلام من أجلها غير ما رويناه فيه عن ابن مسعود رضي الله عنه في الحديثين الأولين ، وليس يصلح خلاف مثل ذلك إلى قول مجاهد ، لا سيما وقد أخبر ابن مسعود في أحد حديثيه بنزوله بأولئك النفر الإنسيين الذين كانوا يعبدون النفر الجنيين ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية