الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (112) قوله تعالى : أين ما ثقفوا : أينما شرط وهي ظرف مكان و "ما " مزيدة فيها ، فـ "ثقفوا " في محل جزم بها ، وجواب الشرط : إما محذوف أي : أينما ثقفوا غلبوا وذلوا ، دل عليه قوله : ضربت عليهم الذلة ، وإما نفس "ضربت " عند من يجيز تقديم جواب الشرط عليه ، فـ ضربت عليهم الذلة لا محل له على الأول ومحله الجزم على الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : إلا بحبل هذا الجار في محل نصب على الحال ، وهو استثناء مفرغ من الأحوال العامة . قال الزمخشري : "وهو استثناء من عام أعم الأحوال ، والمعنى : " ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال [ ص: 353 ] اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس " ، وعلى هذا فهو استثناء متصل وقال الزجاج والفراء : " هو استثناء منقطع " . فقدره الفراء : " إلا أن يعتصموا بحبل من الله " ، فحذف ما يتعلق به الجار ، كما قال حميد بن ثور الهلالي :


                                                                                                                                                                                                                                      1388 - رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق



                                                                                                                                                                                                                                      أراد : أقبلت بحبليها ، فحذف الفعل للدلالة عليه . ونظره ابن عطية بقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ قال : " لأن بادي الرأي يعطي أن له أن يقتل خطأ ، وأن الحبل من الله ومن الناس يزيل ضرب الذلة ، وليس الأمر كذلك ، وإنما في الكلام محذوف يدركه فهم السامع الناظر في الأمر ، وتقديره في آيتنا : "فلا نجاة من الموت إلا بحبل " قال الشيخ : "وعلى ما قدره لا يكون استثناء منقطعا لأنه مستثنى من جملة مقدرة وهي قوله : " فلا نجاة من الموت "وهو متصل على هذا التقدير ، فلا يكون استثناء منقطعا من الأول ضرورة أن الاستثناء الواحد لا يكون منقطعا متصلا ، والاستثناء المنقطع كما تقرر في علم النحو على قسمين : منه ما يمكن أن يتسلط عليه العامل ، ومنه ما لا يمكن في ذلك ، ومنه هذه الآية على تقدير الانقطاع ، إذ التقدير : لكن اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس ينجيهم من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال أموالهم ، ويدل على أنه [ ص: 354 ] منقطع : الإخبار بذلك في قوله تعالى في سورة البقرة : وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله فلم يستثن هناك " . وما بعد هذه الآية قد تقدم إعرابه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية