الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات

                                                                                                                                                                                                        1951 حدثنا أبو نعيم حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد في الصلاة شيئا أيقطع الصلاة قال لا حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقال ابن أبي حفصة عن الزهري لا وضوء إلا فيما وجدت الريح أو سمعت الصوت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات ) في رواية الكشميهني من المشبهات بميم وتثقيل ، وفي نسخة بمثناة بدل التثقيل والكل بمعنى مشكلات ، وهذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطع في الورع ، قال الغزالي : الورع أقسام : ورع الصديقين وهو ترك ما لا يتناول بغير نية القوة على العبادة ، وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام ، وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع ، فإن لم يكن فهو ورع الموسوسين ، قال : ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة ، أي : أعم من أن يكون ذلك المتروك حراما أم لا . انتهى . وغرض المصنف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون الصيد كان لإنسان ثم أفلت منه ، وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حلال أم حرام وليست هناك علامة تدل على الثاني ، وكمن يترك تناول الشيء لخبر ورد فيه متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به ، ويكون دليل إباحته قويا وتأويله ممتنع أو مستبعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن الزهري ) في رواية الحميدي " عن سفيان حدثنا الزهري " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عباد بن تميم عن عمه ) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، وفي رواية الحميدي [ ص: 346 ] المذكورة : " أخبرني سعيد هو ابن المسيب وعباد بن تميم عن عبد الله بن زيد " وقد تقدم في الطهارة عن أبي نعيم عن سفيان ، وسياقه يشعر بأن طريق سعيد مرسلة وطريق عباد موصولة ، ولم يتعرض المزي لتمييز ذلك في " الأطراف " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن أبي حفصة ) هو محمد وكنيته أبو سلمة ، واسم والد أبي حفصة ميسرة وهو بصري نزل الجزيرة ، وظن الكرماني أن محمدا هذا وسالم بن أبي حفصة وعمارة بن أبي حفصة إخوة ، فجزم بذلك هنا فوهم فيه وهما فاحشا ، فإن والد سالم لا يعرف اسمه وهو كوفي ، ووالد عمارة اسمه نابت بالنون ثم موحدة ثم مثناة ، وهو بصري أيضا ، لكن ميسرة مولى نابت عربي ، وسالم بن أبي حفصة من طبقة أعلى من طبقة الاثنين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا وضوء . . . إلخ ) وصل أحمد أثر ابن أبي حفصة المذكور من طرق ، ووقع لنا بعلو في " مسند أبي العباس السراج " ولفظه : " عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه مرفوعا " باللفظ المعلق ، ومشى بعض الشراح على ظاهر قول البخاري عن الزهري " لا وضوء . . . إلخ " فجزم بأن هذا المتن من كلام الزهري ، وليس كما ظن لما ذكرته عن مسندي أحمد والسراج ، وقد جرت عادة البخاري بهذا الاختصار كثيرا ، والتقدير : عن الزهري بهذا السند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا وضوء " الحديث . وأقرب أمثلة ذلك ما مضى في الصوم في " باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس " فإنه أورد حديث الباب من رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء قالت : أفطرنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم طلعت الشمس " قيل : لهشام : أمروا بالقضاء؟ قال : وبد من قضاء؟ . قال البخاري : " وقال معمر : سمعت هشاما : لا أدري أقضوا أم لا " فهذا أيضا فيه حذف تقديره " سمعت هشاما عن معمر عن هشام [1] بالسند والمتن ، وقال في آخره : " فقال إنسان لهشام : أقضوا أم لا؟ قال : لا أدري " وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر كذلك ، وأوردته من " مسند عبد بن حميد " عاليا " عن عبد الرزاق عن معمر سمعت هشاما عن فاطمة عن أسماء " فذكرت الحديث ، قال : " فقال إنسان لهشام أقضوا أم لا؟ قال : لا أدري " .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) اختصر ابن أبي حفصة هذا المتن اختصارا مجحفا ، فإن لفظه يعم ما إذا وقع الشك داخل الصلاة وخارجها ، ورواية غيره من أثبات أصحاب الزهري تقتضي تخصيص ذلك بمن كان داخل الصلاة ، ووجهه أن خروج الريح من المصلي هو الذي يقع له غالبا بخلاف غيره من النواقض فإنه لا يهجم عليه إلا نادرا ، وليس المراد حصر نقض الوضوء بوجود الريح .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية