الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4815 باب في ضرب الآجال وقسم الأرزاق

                                                                                                                              وقال النووي : (باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص، عما سبق به القدر) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 214 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عبد الله بن مسعود، قال: قالت أم حبيبة: اللهم! متعني بزوجي «رسول الله صلى الله عليه وسلم» وبأبي «أبي سفيان» وبأخي «معاوية». فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إنك سألت الله لآجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة. لا يعجل شيئا منها قبل حله، ولا يؤخر منها شيئا بعد حله. ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب النار، وعذاب في القبر: لكان خيرا لك».

                                                                                                                              قال: فقال رجل: يا رسول الله! القردة والخنازير، هي مما مسخ؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الله، عز وجل لم يهلك قوما، أو يعذب قوما، فيجعل لهم نسلا. وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك»
                                                                                                                              ) .

                                                                                                                              [ ص: 369 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 369 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (قال: قالت أم حبيبة) زوج النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، رضي الله عنها: (اللهم! متعني بزوجي «رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم» وبأبي «أبي سفيان» وبأخي «معاوية». قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: إنك سألت الله، عز وجل لآجال مضروبة، وآثار موطوءة) وزاد في رواية أخرى: «وأيام معدودة ) (وأرزاق مقسومة. لا يعجل شيئا منها قبل حله، ولا يؤخر منها شيئا بعد حله) .

                                                                                                                              قال النووي : ضبطناه بوجهين: فتح الحاء وكسرها، في المواضع الخمسة، من هذه الروايات.

                                                                                                                              وذكر عياض: أن جميع الرواة على الفتح، ومراده رواة بلادهم، وإلا فالأشهر عند رواة بلادنا الكسر، وهما لغتان. ومعناه: وجوبه وحينه. يقال: «حل الأجل» يحل: «حلا وحلا».

                                                                                                                              [ ص: 370 ] وهذا الحديث: صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة، لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة، عن ذلك.

                                                                                                                              وأما ما ورد في حديث: « صلة الرحم تزيد في العمر » ونظائره: فقد سبق تأويله في باب صلة الأرحام واضحا. قال المازري هنا: قد تقرر بالدلائل القطعية: أن الله تعالى أعلم بالآجال والأرزاق وغيرها. وحقيقة العلم: معرفة المعلوم على ما هو عليه. فإذا علم الله أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها؛ لئلا ينقلب العلم جهلا، فاستحال أن الآجال التي علمها الله تعالى تزيد وتنقص، فيتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى «ملك الموت أو غيره» ممن وكله الله بقبض الأرواح، وأمره فيها بآجال ممدودة؛ فإنه بعد أن يأمره بذلك، أو يثبته في اللوح المحفوظ ينقص منه ويزيد، على حسب ما سبق به علمه في الأزل. وهو معنى قوله تعالى: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعلى ما ذكرناه يحمل قوله تعالى: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده .

                                                                                                                              قال النووي : مذهب أهل الحق أن المقتول مات بأجله. وقالت المعتزلة: قطع أجله. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 371 ] (ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار، وعذاب في القبر لكان خيرا لك) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى بلفظ: «لو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، أو عذاب في القبر كان خيرا أو أفضل».

                                                                                                                              قال النووي : فإن قيل: ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل؛ لأنه مفروغ، وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب، مع أنه مفروغ منه أيضا كالأجل؟

                                                                                                                              فالجواب: أن الجميع مفروغ منه، لكن الدعاء بالنجاة: من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ونحوهما: عبادة. وقد أمر الشرع بالعبادات. فقيل: أفلا نتكل على كتابنا، وما سبق لنا من القدر؟ فقال: «اعملوا، فكل ميسر لما خلق له». وأما الدعاء بطول الأجل: فليس عبادة. وكما لا يحسن ترك الصلاة، والصوم، والذكر؛ اتكالا على القدر، فكذا الدعاء بالنجاة من النار، ونحوه. والله أعلم.

                                                                                                                              (قال: فقال رجل: يا رسول الله! القردة والخنازير هي مما مسخ؟

                                                                                                                              [ ص: 372 ] فقال النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم: «إن الله عز وجل، لم يهلك قوما، أو يعذب قوما، فيجعل لهم نسلا. وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك») أي: قبل مسخ بني إسرائيل . فدل على أنها ليست من المسخ. وجاء «كانوا» بضمير العقلاء، مجازا؛ لكونه جرى في الكلام ما يقتضي مشاركتها للعقلاء، كما في قوله تعالى: رأيتهم لي ساجدين ، وكل في فلك يسبحون .




                                                                                                                              الخدمات العلمية