الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن إلهكم لواحد جواب للقسم وقد جرت عادتهم على تأكيد ما يهتم به بتقديم القسم ولذا قدم هاهنا، فلا يقال: إنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم، وما قيل من أن وحدة الصانع قد ثبتت بالدليل النقلي بعد ثبوتها بالعقل ففائدته ظاهرة هنا - غير تام؛ لأن الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد، وقد أشير إلى البرهان في قوله سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق فإن وجودها على هذا النمط البديع أوضح دليل على وحدته - عز وجل - بل في كل ذرة من ذرات العالم دليل على ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد



                                                                                                                                                                                                                                      و"رب" خبر ثان لـ"إن" على مذهب من يجوز تعدد الأخبار أو خبر مبتدأ محذوف أو هو رب السماوات إلخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أبو البقاء وغيره كونه بدلا من "واحد" فهو المقصود بالنسبة، أي خالق السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات، ويدخل في عموم الموصول أفعال العباد، فتدل الآية على أنها مخلوقة له تعالى، ولا ينافي ذلك كون قدرة العبد مؤثرة بإذنه - عز وجل - كما ذهب إليه معظم السلف حتى الأشعري نفسه في آخر الأمر على ما صرح به بعض الأجلة، وفسر بعضهم الرب هنا بالملك وبالمربي، ولعل الأول أظهر. وفي دلالة الآية على كون أفعال العباد مخلوقة له على ذلك بحث، والمراد بالمشارق - عند جمع - مشارق الشمس لأنها المعروفة الشائعة فيما بينهم وهي بعدد أيام السنة فإنها في كل يوم تشرق من مشرق وتغرب من مغرب فالمغارب متعددة تعدد المشارق، وكأن الاكتفاء بها لاستلزامها ذلك مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة. ولهذا استدل به إبراهيم - عليه السلام - عند محاجة النمروذ، وعن ابن عطية أن مشارق الشمس مائة وثمانون، ووفق بعضهم بين هذا وما يقتضيه ما تقدم من مضاعفة العدد بأن مشارقها من رأس السرطان وهو أول بروج الصيف إلى رأس الجدي وهو أول بروج الشتاء متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحدا كانت مائة وثمانين، وإن نظر إلى تغايرهما كانت ثلاثمائة وستين، وفي هذا إسقاط الكسر فإن السنة الشمسية تزيد على ذلك العدد بنحو ستة أيام على ما بين في موضعه، وفسرت المشارق أيضا بمشارق الكواكب، ورجح بأنه المناسب لقوله تعالى بعد إنا زينا إلخ، وهي للسيارات منها متفاوتة في العدد، وأكثرها مشارق على ما هو المعروف عند المتقدمين زحل، ومشارقه إلى أن يتم دورته أكثر من مشارق الشمس إلى أن تتم دورتها بألوف، ومشارق الثوابت إلى أن تتم الدورة أكثر وأكثر فلا تغفل وتبصر، وتثنية المشرق والمغرب في قوله تعالى رب المشرقين ورب المغربين [ ص: 68 ] على إرادة مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغربيهما، وإعادة رب هنا مع المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية