الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ؛ المعنى: جعل الله الأيام مداولة بين الناس؛ ليمحص المؤمنين بما يقع عليهم من قتل في حربهم؛ أو ألم؛ أو ذهاب مال؛ ويمحق الكافرين؛ ليستأصلهم؛ وجائز أن يكون يمحقهم: يحبط أعمالهم؛ وتأويل " المحص " ؛ في اللغة: التنقية والتخليص؛ قال محمد بن يزيد - رحمه الله -: يقال: " محص الحبل محصا " ؛ إذا ذهب منه الوبر؛ حتى يملص؛ و " حبل محص " ؛ أو " ملص " ؛ بمعنى واحد؛ قال: وتأويل قول الناس: " محص عنا ذنوبنا " ؛ أي: أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب؛ وأخبرنا محمد بن يزيد أن حنيف الحناتم ورد ماء يقال له: " طويلع " ؛ فقال: " والله إنك لمحص الرشاء؛ بعيد المستقى؛ مظل على الأعداء؛ ولو سألتني أعناق الإبل لأعطيتك " ؛ أي: لو تقطعت أعناق الإبل إليك لقصدتك؛ ومعنى " محص الرشاء " : أي: هو طين حر؛ فالرشاء تتملص من اليد؛ فمعنى " يمحص [ ص: 472 ] الذين آمنوا " : يخلصهم من الذنوب؛ وقال محمد بن يزيد - رحمه الله - أيضا؛ وغيره من أهل اللغة: " محص الظبي؛ يمحص " ؛ إذا عدا عدوا شديدا؛ وقال هو وحده: تأويله أنه لا يخلط حدته في العدو ونيا؛ ولا فتورا؛ وقال غيره: " محص الظبي؛ يمحص؛ ومحص " ؛ بمعنى واحد؛ إذا عدا عدوا يكاد أن ينفد فيه من شدته؛ ويقال: " ويستحب من الفرس أن تمحص قوائمه " ؛ أي: تخلص من الرهل؛ قال أبو إسحاق : وقرأت عليه أيضا عن الخليل: " المحص " : التخليص؛ يقال: " محصت الشيء؛ أمحصه؛ محصا " ؛ إذا خلصته؛ وقال بعض أهل اللغة: " وليمحص الله الذين آمنوا " ؛ أي: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا؛ ولم يخبروا بحقيقة المحص ما هو.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية