الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 57 ) ) [ ص: 601 ]

يقول تعالى ذكره : وقالت كفار قريش : إن نتبع الحق الذي جئتنا به معك ، ونتبرأ من الأنداد والآلهة ، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا ، يقول الله لنبيه : فقل : ( أولم نمكن لهم حرما ) يقول : أولم نوطئ لهم بلدا حرمنا على الناس سفك الدماء فيه ، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء ، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة ، أو قتل ، أو سباء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، أن الحارث بن نوفل ، الذي قال : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) وزعموا أنهم قالوا : قد علمنا أنك رسول الله ، ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا ، ( أولم نمكن لهم ) الآية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) قال : هم أناس من قريش قالوا لمحمد : إن نتبعك يتخطفنا الناس ، فقال الله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ويتخطف الناس من حولهم ) : قال : كان يغير بعضهم على بعض .

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) قال الله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) يقول : أولم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون ، يجبى إليه ثمرات كل شيء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال : كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا ، إذا [ ص: 602 ] خرج أحدهم فقال : إني من أهل الحرم لم يتعرض له ، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أولم نمكن لهم حرما آمنا ) قال : آمناكم به ، قال هي مكة ، وهم قريش .

وقوله : ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) يقول يجمع إليه ، وهو من قولهم : جبيت الماء في الحوض : إذا جمعته فيه ، وإنما أريد بذلك : يحمل إليه ثمرات كل بلد .

كما حدثنا أبو كريب ، قال ثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في ( يجبى إليه ثمرات كل شيء ) قال : ثمرات الأرض .

وقوله : ( رزقا من لدنا ) يقول : ورزقا رزقناهم من لدنا ، يعني : من عندنا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) يقول تعالى ذكره : ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) لا يعلمون أنا نحن الذين مكنا لهم حرما آمنا ، ورزقناهم فيه ، وجعلنا الثمرات من كل أرض تجبى إليهم ، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون ، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية