الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              25 (باب الإيمان ما هو وبيان خصاله)

                                                                                                                              «وقال النووي: باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه» .

                                                                                                                              وفي هذا الباب حديث ابن عباس وهو في البخاري أيضا، وقد تقدم في باب «أول الإيمان قول: لا إله إلا الله» وحديث أبي سعيد الخدري وهو في مسلم خاصة.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 189- 192 ج1 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي سعيد الخدري في حديثه هذا أن أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله، إنا حي من ربيعة ، وبيننا وبينك كفار مضر ، ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم ، فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا ، وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: : آمركم بأربع [ ص: 115 ] ، وأنهاكم عن أربع؛ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم، وأنهاكم عن أربع؛ عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير. قالوا: يا نبي الله ما علمك بالنقير؟ قال: بلى، جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء، قال سعيد : أو قال من التمر ، ثم تصبون فيه من الماء، حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف، قال: وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك، قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله ! قال: في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها، قالوا: يا رسول الله ! إن أرضنا كثيرة الجرذان، ولا تبقى بها أسقية الأدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان، قال: وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              «عن أبي سعيد الخدري» رضي الله عنه اسمه: سعد بن مالك بن سنان. منسوب إلى «بني خدرة» ، وكان أبوه «مالك» صحابيا أيضا. قتل يوم أحد شهيدا. [ ص: 116 ] (أن أناسا من -عبد القيس- قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله! إنا حي من «ربيعة» وبيننا وبينك كفار «مضر» ، ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم؛ فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع؛ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم.

                                                                                                                              وأنهاكم عن أربع: عن الدباء. والحنتم، والمزفت، والنقير.

                                                                                                                              قالوا: يا نبي الله ما علمك بالنقير؟ قال: بلى، جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء» ، أي: تلقون فيه وترمون. وفي رواية «وتذيفون» به من القطيعاء» بالفاء وهما لغتان فصيحتان، وهو من «ذاف يذيف» كباع يبيع.

                                                                                                                              وروي بالدال المهملة من «داف يدوف» كقال يقول. وإهمال الدال أشهر في اللغة. وضبطه بعض رواة مسلم بضم «التاء» على رواية المهملة، وعلى رواية المعجمة أيضا، جعله: من «أداف» ، «وأذاف» ، والمعروف «فتحها» من «ذاف وداف» . ومعناه على الأوجه كلها: الخلط.

                                                                                                                              «والقطيعاء» ، بضم القاف وفتح الطاء، وبالمد «نوع» من التمر: صغار يقال له: الشهريز؛ بالشين المعجمة والمهملة. وبضمها وبكسرهما. قال سعيد: «أو قال: من التمر» . ثم تصبون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم أو إن أحدهم، شك من الراوي «ليضرب ابن عمه بالسيف ) ؛ معناه: إذا شرب هذا الشراب سكر فلم [ ص: 117 ] يبق له عقل، وهاج به الشر، فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب أحبابه، وهذه مفسدة عظيمة، ونبه بها على ما سواها من المفاسد.

                                                                                                                              (قال: وفي القوم رجل أصابته جراحة ) واسمه «جهم» وكانت الجراحة في ساقه، كذلك. قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: «في أسقية الأدم، بفتح الهمزة والدال. جمع «أديم» وهو الجلد الذي تم دباغه (التي يلاث على أفواهها ) بضم الياء وتخفيف اللام وآخره مثلثة.

                                                                                                                              وفي «أصل العبدري» «تلاث» بالتاء، وكلاهما صحيح.. فمعنى الأول «يلف الخيط على أفواهها ويربط به» . ومعنى الثاني «تلف الأسقية على أفواهها» . كما يقال: ضربته على رأسه. «قالوا: يا رسول الله! إن أرضنا كثيرة الجرذان» هكذا ضبطناه بالهاء في آخر «كثيرة» .

                                                                                                                              قال ابن الصلاح: صح في أصولنا «كثير» : والتقدير فيه: «أرضنا مكان كثير» .

                                                                                                                              ومن نظائره: قوله تعالى:

                                                                                                                              إن رحمت الله قريب من المحسنين .

                                                                                                                              «والجرذان» بكسر الجيم وإسكان الراء وبالذال المعجمة: جمع «جرذ» بضم الجيم وفتح الراء «كصرد وصردان» : نوع من الفأر، كذا قاله الجوهري وغيره.

                                                                                                                              [ ص: 118 ] وقال الزبيدي: في «مختصر العين» هو الذكر من الفأر. وأطلق جماعة من شراح الحديث أنه الفأر.

                                                                                                                              ولا تبقى بها أسقية الأدم. فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم «وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان ) مكرر ثلاث مرات وهو هكذا في الأصول. وفي نسخة «المنذري» بغير تكرار. (قال: وقال نبي الله لأشج «عبد القيس» : «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) روى مسلم هذا الحديث بطرق مختصرا

                                                                                                                              وفي بعضها «وعليكم بالموكى» بضم الميم وإسكان الواو. معناه: «انبذوا في السقاء الدقيق الذي يوكي أي: يربط فوه «بالوكاء» . وهو الخيط الذي يربط به.

                                                                                                                              «ومن» فوائد هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة، عند الأمور المهمة. «وفيه» تقديم الاعتذار بين يدي المسألة.

                                                                                                                              «وفيه» بيان مهمات الإسلام وأركانه سوى الحج؛ وقد تقدم أنه لم يكن فرض.

                                                                                                                              «وفيه» استعانة «العالم» في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم ببعض أصحابه، كما فعله ابن عباس.

                                                                                                                              وقد يستدل به على أنه يكفي في الترجمة في الفتوى والخبر قول واحد، «وفيه» ، أنه لا عتب على طالب العلم والمستفتي إذا قال للعالم «أوضح لي الجواب» ونحو هذه العبارة، «وفيه» جواز مراجعة [ ص: 119 ] «العالم» على سبيل الاسترشاد والاعتذار، ليتلطف له في الجواب، «وفيه» تأكيد الكلام وتفخيمه ليعظم وقعه في النفس.

                                                                                                                              وهذه أطراف ما يتعلق بهذا الحديث؛ وهي وإن كانت طويلة، فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبي التحقيق، ولبعض هذه الفوائد والزيادات، ذكره المنذري وأخذه؛ وإلا فالحديث قد تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه.




                                                                                                                              الخدمات العلمية