الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سرف ]

                                                          سرف : السرف والإسراف : مجاوزة القصد . وأسرف في ماله : عجل من غير قصد ، وأما السرف الذي نهى الله عنه ، فهو ما أنفق في غير طاعة الله ، قليلا كان أو كثيرا . والإسراف في النفقة : التبذير . وقوله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا قال سفيان : لم يسرفوا أي لم يضعوه في غير موضعه ولم يقتروا لم يقصروا به عن حقه ; وقوله : ولا تسرفوا الإسراف أكل ما لا يحل أكله ، وقيل : هو [ ص: 173 ] مجاوزة القصد في الأكل مما أحله الله ، وقال سفيان : الإسراف كل ما أنفق في غير طاعة الله ، وقال إياس بن معاوية : الإسراف ما قصر به عن حق الله ، والسرف : ضد القصد . وأكله سرفا أي عجلة . : ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ; أي ومبادرة كبرهم ، قال بعضهم : إسرافا أي لا تأثلوا منها وكلوا القوت على قدر نفعكم إياهم ، وقال بعضهم : معنى من كان فقيرا فليأكل بالمعروف أي يأكل قرضا ولا يأخذ من مال اليتيم شيئا لأن المعروف أن يأكل الإنسان ماله ولا يأكل مال غيره ، والدليل على ذلك قوله تعالى : فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ; وأسرف في الكلام وفي القتل : أفرط . وفي التنزيل العزيز : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ; قال الزجاج : اختلف في الإسراف في القتل فقيل : هو أن يقتل غير قاتل صاحبه ، وقيل : أن يقتل هو القاتل دون السلطان ، وقيل : هو أن لا يرضى بقتل واحد حتى يقتل جماعة لشرف المقتول وخساسة القاتل أو أن يقتل أشرف من القاتل ; قال : المفسرون لا يقتل غير قاتله وإذا قتل غير قاتله فقد أسرف ; والسرف : تجاوز ما حد لك ، والسرف : الخطأ وأخطأ الشيء وضعه في غير حقه ; قال جرير يمدح بني أمية :


                                                          أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف



                                                          أي إغفال ، وقيل : ولا خطأ ، يريد أنهم لم يخطئوا في عطيتهم ولكنهم وضعوها موضعها أي لا يخطئون موضع العطاء بأن يعطوه من لا يستحق ويحرموه المستحق ، شمر : سرف الماء ما ذهب منه في غير سقي ولا نفع ، يقال : أروت البئر النخيل وذهب بقية الماء سرفا قال الهذلي :


                                                          فكأن أوساط الجدية وسطها     سرف الدلاء من القليب الخضرم



                                                          وسرفت يمينه أي لم أعرفها ; قال ساعدة لهذلي :


                                                          حلف امرئ بر سرفت يمينه     ولكل ما قال النفوس مجرب



                                                          يقول : ما أخفيتك وأظهرت فإنه سيظهر في التجربة . والسرف : الضراوة . والسرف : اللهج بالشيء ، وفي الحديث : أن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : إن للحم سرفا كسرف الخمر ، يقال : هو من الإسراف ، وقال محمد بن عمرو : أي ضراوة كضراوة الخمر وشدة كشدتها لأن من اعتاده ضري بأكله فأسرف فيه ، فعل مدمن الخمر في ضراوته بها وقلة صبره عنها ، وقيل : أراد بالسرف الغفلة ; قال شمر : ولم أسمع أن أحدا ذهب بالسرف إلى الضراوة ، قال : وكيف يكون ذلك تفسيرا له وهو ضده ؟ والضراوة للشيء : كثرة الاعتياد له ، والسرف بالشيء : الجهل به إلا أن تصير الضراوة نفسها سرفا أي اعتياده وكثرة أكله سرف ، وقيل : السرف في الحديث من الإسراف والتبذير في النفقة لغير حاجة أو في غير طاعة الله ، شبهت ما يخرج في الإكثار من اللحم بما يخرج في الخمر ، وقد تكرر ذكر الإسراف في الحديث ، والغالب على ذكره الإكثار من الذنوب والخطايا واحتقاب الأوزار والآثام . والسرف : الخطأ . وسرف الشيء ، بالكسر ، سرفا : أغفله وأخطأه وجهله وذلك سرفته وسرفته . والسرف : الإغفال . والسرف : الجهل . وسرف القوم : جاوزهم . والسرف : الجاهل . ورجل سرف الفؤاد : مخطئ الفؤاد غافله ; قال طرفة :


                                                          إن امرأ سرف الفؤاد يرى     عسلا بماء سحابة شتمي



                                                          سرف الفؤاد أي غافل ، سرف العقل أي قليل . أبو زياد الكلابي في حديث : أردتكم فسرفتكم أي أغفلتكم . وقوله تعالى : من هو مسرف مرتاب ; كافر شاك . والسرف : الجهل . والسرف : الإغفال . ابن الأعرابي : أسرف الرجل إذا جاوز الحد ، وأسرف إذا أخطأ ، وأسرف إذا غفل ، وأسرف إذا جهل ، وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب وواعده أصحاب له من المسجد مكانا فأخلفهم فقيل له في ذلك فقال : مررت فسرفتكم أي أغفلتكم . والسرفة : دودة القز ، وقيل : هي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه ، وهي التي يضرب بها المثل فيقال : أصنع من سرفة ، وقيل : هي دويبة صغيرة مثل نصف العدسة تثقب الشجرة ثم تبني فيها بيتا من عيدان تجمعها بمثل غزل العنكبوت ، وقيل : هي دابة صغيرة جدا غبراء تأتي الخشبة فتحفرها ، ثم تأتي بقطعة خشبة فتضعها فيها ثم أخرى ثم أخرى ثم تنسج مثل نسج العنكبوت ، قال أبو حنيفة : وقيل : السرفة دويبة مثل الدودة إلى السواد ما هي ، تكون في الحمض تبني بيتا من عيدان مبرعا ، تشد أطراف العيدان بشيء مثل غزل العنكبوت ، وقيل : هي الدودة التي تنسج على بعض الشجر وتأكل ورقه وتهلك ما بقي منه بذلك النسج ، وقيل : هي دودة مثل الإصبع شعراء رقطاء تأكل ورق الشجر حتى تعريها ، وقيل : هي دودة تنسج على نفسها قدر الإصبع طولا كالقرطاس ثم تدخله فلا يوصل إليها ، وقيل : هي دويبة خفيفة كأنها عنبكوت ، وقيل : هي دويبة تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها على مثال الناووس ثم تدخل فيه وتموت . ويقال : أخف من سرفة . وأرض سرفة : كثيرة السرفة ، وواد سرف كذلك . وسرف الطعام إذا ائتكل حتى كأن السرفة أصابته . وسرفت الشجرة : أصابتها السرفة . وسرفت السرفة : الشجرة تسرفها سرفا إذا أكلت ورقها ; حكاه الجوهري عن ابن السكيت . وفي حديث ابن عمر أنه قال : لرجل إذا أتيت منى فانتهيت إلى موضع كذا فإن هناك سرحة لم تجرد ، ولم تسرف ، سر تحتها سبعون نبيا فانزل تحتها ; قال اليزيدي : لم تسرف : لم تصبها السرفة وهي هذه الدودة التي تقدم شرحها . قال ابن السكيت : السرف ، ساكن الراء ، مصدر سرفت الشجرة تسرف سرفا إذا وقعت فيها السرفة ، فهي مسروفة . وشاة مسروفة : مقطوعة الأذن أصلا . والأسرف : الآنك ، فارسية معربة . وسرف : موضع ; قال قيس بن ذريح :


                                                          عفا سرف من أهله فسراوع



                                                          [ ص: 174 ] وقد ترك بعضهم صرفه جعله اسما للبقعة ; ومنه قول عيسى بن أبي جهمة الليثي وذكر قيسا فقال : كان قيس بن ذريح منا ، وكان ظريفا شاعرا ، وكان يكون بمكة ودونها من قديد وسرف وحول مكة في بواديها . غيره : وسرف : اسم موضع . وفي الحديث : أنه تزوج ميمونة بسرف ، هو بكسر الراء ، موضع من مكة على عشرة أميال ، وقيل : أقل وأكثر . ومسرف : اسم ، وقيل : هو لقب مسلم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة ؛ لأنه قد أسرف فيها ; قال علي بن عبد الله بن العباس :


                                                          هم منعوا ذماري يوم جاءت     كتائب مسرف وبنو اللكيعه



                                                          وإسرافيل : اسم أعجمي كأنه مضاف إلى إيل ، قال الأخفش : ويقال في لغة إسرافين كما قالوا جبرين وإسماعين وإسرائين ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية