الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 181 ] آ. (56) قوله: فيهن قاصرات : اختلف في هذا الضمير، فقيل: يعود على الجنات، فيقال: كيف تقدم تثنية ثم أتي بضمير جمع؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب: أن أقل الجمع اثنان على قول، وله شواهد قد تقدم أكثرها. وإما أن يقال: عائد على الجنات المدلول عليها بالجنتين، وإما أن يقال: إن كل فرد فرد له جنتان فصح أنها جنات كثيرة، وإما أن الجنة تشتمل على مجالس وقصور ومنازل فأطلق على كل واحد منها جنة. وقيل: يعود على الفرش. وهذا قول حسن قليل الكلفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "فيهن: في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى". قال الشيخ : "وفيه بعد" وكان قد استحسن الوجه الذي قبله. وفيه نظر; لأن الاستعمال أن يقال: على الفراش كذا، ولا يقال: في الفراش كذا إلا بتكلف; فلذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول: "فيهن" بحرف الظرفية، ولأن الحقيقة أن الفرش يكون الإنسان عليها; لأنه مستعل عليها. وأما كونه فيها فلا يقال إلا بمجاز. وقال الفراء : "كل موضع في الجنة جنة، فلذلك صح أن يقال: فيهن، والقاصرات: الحابسات الطرف، أي: أعينهن عن غير أزواجهن. ومعناه: قصرن ألحاظهن على أزواجهن. قال امرؤ القيس: [ ص: 182 ]

                                                                                                                                                                                                                                      4191 - من القاصرات الطرف لو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا



                                                                                                                                                                                                                                      وقاصرات الطرف: من إضافة اسم الفاعل لمنصوبه تخفيفا إذ يقال: قصر طرفه على كذا. وحذف متعلق القصر للعلم به، أي: على أزواجهن، كما تقدم تقريره. وقيل: المعنى: قاصرات طرف غيرهن عليهن، أي: اذا رآهن أحد لم يتجاوز طرفه إلى غيرهن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لم يطمثهن هذه الجملة يجوز أن تكون نعتا لـ قاصرات; لأن إضافتها لفظية، كقوله: هذا عارض ممطرنا و[وقوله]:


                                                                                                                                                                                                                                      4192 - يا رب غابطنا لو كان يطلبكم      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وأن تكون حالا لتخصص النكرة بالإضافة. واختلف في هذا الحرف والذي بعده عن الكسائي: فنقل عنه أنه كان يخير - في ضم أيهما شاء - القارئ. ونقل عنه الدوري ضم الأول فقط ونقل عنه أبو الحارث ضم الثاني فقط، وهما لغتان. يقال: طمثها يطمثها ويطمثها إذا جامعها. وأصل الطمث: الجماع المؤدي إلى خروج دم البكر، ثم أطلق على كل جماع: طمث، وإن لم يكن معه دم. وقيل: الطمث دم الحيض أو دم الجماع. وقيل: الطمث المس الخاص. وقرأ الجحدري "يطمثهن" بفتح [ ص: 183 ] الميم في الحرفين، وهو شاذ إذ ليست عينه ولا لامه حرف حلق. والضمير في "قبلهم" عائد على الأزواج الدال عليهم قوله: "قاصرات الطرف" أو الدال عليه "متكئين".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية