الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( 78 ) ) [ ص: 626 ]

يقول تعالى ذكره : قال قارون لقومه الذين وعظوه : إنما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي ، علمه الله مني ، فرضي بذلك عني ، وفضلني بهذا المال عليكم ، لعلمه بفضلي عليكم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) قال : على خبر عندي .

قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( إنما أوتيته على علم عندي ) قال : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا ، وقرأ : ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ) . . . الآية .

وقد قيل : إن معنى قوله : ( عندي ) بمعنى : أرى ، كأنه قال : إنما أوتيته لفضل علمي ، فيما أرى .

وقوله : ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ) يقول جل ثناؤه : أولم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه ، فاستحق بذلك أن يؤتى ما أوتي من الكنوز ، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشا ، وأكثر جمعا للأموال ; ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده ، ولرضاه عنه ، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالا لأن من كان الله عنه راضيا ، فمحال أن يهلكه الله ، وهو عنه راض ، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا .

وقوله : [ ص: 627 ] ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) قيل : إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا سفيان ، عن عمر ، عن قتادة ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) قال : يدخلون النار بغير حساب .

وقيل : معنى ذلك : أن الملائكة لا تسأل عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) كقوله : ( يعرف المجرمون بسيماهم ) زرقا سود الوجوه ، والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم .

وقيل معنى ذلك : ولا يسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيم أهلكوا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ) قال : عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا ؟ فالهاء والميم في قوله : ( عن ذنوبهم ) على هذا التأويل لمن الذي في قوله : ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة ) وعلى التأويل الأول الذي قاله مجاهد وقتادة للمجرمين ، وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى ; لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب ، لا مؤمن ولا كافر . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين ، لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله : ( عن ذنوبهم ) لمن الذي في قوله : ( من هو أشد منه قوة ) من دون المؤمنين ، يعني لأنه غير مسئول عن ذلك مؤمن ولا كافر ، إلا الذين ركبوه واكتسبوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية