الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ( 3 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم - ممن أرسلنا إليهم رسلنا ، فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد - بأعدائهم ، وتمكيننا إياهم من أذاهم ، كموسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل ، فابتليناهم بفرعون وملئه . وكعيسى إذ أرسلناه إلى بني إسرائيل ، فابتلينا من اتبعه بمن تولى عنه ، فكذلك ابتلينا أتباعك بمخالفيك من أعدائك ( فليعلمن الله الذين صدقوا ) منهم في قيلهم آمنا ( وليعلمن الكاذبين ) منهم في قيلهم ذلك ، والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار ، وفي حال الاختبار ، وبعد الاختبار ، ولكن معنى ذلك : وليظهرن الله صدق الصادق منهم في قيله : آمنا بالله من كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوه ، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه ، على نحو ما قد بيناه فيما مضى قبل .

وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين عذبهم المشركون ، ففتن بعضهم ، وصبر بعضهم على أذاهم حتى أتاهم الله بفرج من عنده .

ذكر الرواية بذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول : نزلت - يعني - هذه الآية ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) [ ص: 9 ] إلى قوله : ( وليعلمن الكاذبين ) في عمار بن ياسر ، إذ كان يعذب في الله .

وقال آخرون : بل نزل ذلك من أجل قوم كانوا قد أظهروا الإسلام بمكة ، وتخلفوا عن الهجرة ، والفتنة التي فتن بها هؤلاء القوم - على مقالة هؤلاء - هي الهجرة التي امتحنوا بها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن مطر ، عن الشعبي قال : إنها نزلت ، يعني ( الم أحسب الناس أن يتركوا ) الآيتين ، في أناس كانوا بمكة أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب محمد نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة : إنه لا يقبل منكم إقرارا بالإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فاتبعهم المشركون ، فردوهم ، فنزلت فيهم هذه الآية ، فكتبوا إليهم : إنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا ، فقالوا : نخرج ، فإن اتبعنا أحد قاتلناه ، قال : فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ثم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( ولقد فتنا ) قال : ابتلينا .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ( ولقد فتنا الذين من قبلهم ) قال : ابتلينا الذين من قبلهم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد مثله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ولقد فتنا الذين من قبلهم أي : ابتلينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية