الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (22) قوله: وحور قرأ الأخوان بجر "حور عين". والباقون برفعهما. والنخعي: "وحير عين" بقلب الواو ياء وجرهما، وأبي وعبد الله "حورا عينا" بنصبهما. فأما الجر فمن أوجه، أحدها: أنه عطف على جنات النعيم كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة ولحم وحور، قاله الزمخشري . قال الشيخ : "وهذا فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي". قلت: والذي ذهب إليه معنى حسن جدا، وهو على حذف مضاف أي: وفي مقاربة حور، وهذا هو الذي عناه الزمخشري . وقد صرح غيره بتقدير هذا المضاف. الثاني: أنه معطوف على "بأكواب" وذلك بتجوز في قوله: "يطوف" إذ معناه: ينعمون فيها بأكواب وبكذا وبحور، قاله الزمخشري . الثالث: أنه معطوف عليه حقيقة، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضا، فإن فيه لذة لهم، طافوا عليهم بالمأكول والمشروب والمتفكه بعد المنكوح، وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء وقطرب. ولا التفات إلى قول [ ص: 203 ] أبي البقاء: "عطفا على أكواب في اللفظ دون المعنى; لأن الحور لا يطاف بها".

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الرفع فمن أوجه أيضا، عطفا على "ولدان"، أي: إن الحور يطفن عليهم بذلك، كما الولائد في الدنيا. وقال أبو البقاء : "أي: يطفن عليهم للتنعم لا للخدمة"، قلت: وهو للخدمة أبلغ; لأنهم إذا خدمهم مثل أولئك، فما الظن بالموطوءات؟ الثاني: أن يعطف على الضمير المستكن في "متكئين" وسوغ ذلك الفصل بما بينهما. الثالث: أن يعطف على مبتدأ وخبر حذفا معا تقديره: لهم هذا كله وحور عين، قاله الشيخ ، وفيه نظر; لأنه إنما عطف على المبتدأ وحده، وذلك الخبر له ولما عطف هو عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أن يكون مبتدأ، خبره مضمر تقديره: ولهم، أو فيها، أو ثم حور. وقال الزمخشري : على وفيها حور كبيت الكتاب:


                                                                                                                                                                                                                                      4211 -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلا رواكد جمرهن هباء



                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أن يكون خبرا لمبتدأ مضمر، أي: نساؤهم حور، قاله [ ص: 204 ] أبو البقاء . وأما النصب ففيه وجهان، أحدهما: أنه منصوب بإضمار فعل، أي: يعطون، أو يرثون حورا، والثاني: أن يكون محمولا على معنى: يطوف عليهم; لأن معناه يعطون كذا وكذا فعطف عليه هذا. وقال مكي : "ويجوز النصب على أن يحمل أيضا على المعنى; لأن معنى يطوف ولدان بكذا وكذا يعطون كذا وكذا، ثم عطف حورا على معناه"، فكأنه لم يطلع عليها قراءة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة "وحير" فلمجاورتها "عين" ولأن الياء أخف من الواو، ونظيره في التغيير للمجاورة: "أخذه ما قدم وما حدث" بضم دال "حدث" لأجل "قدم" وإذا أفرد منه فتحت داله فقط، وقوله عليه السلام:

                                                                                                                                                                                                                                      "ورب السماوات ومن أظللن ورب الشياطين ومن أضللن" ، وقوله عليه السلام: أيتكن صاحبة الجمل الأربب تنبحها كلاب "الحوءب" فك "الأربب" لأجل "الحوءب".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قتادة "وحور عين" بالرفع والإضافة لـ "عين" وابن مقسم بالنصب والإضافة وقد تقدم توجيه الرفع والنصب. وأما الإضافة فمن [ ص: 205 ] إضافة الموصوف لصفته مؤولا. وقرأ عكرمة "وحوراء عيناء" بإفرادهما على إرادة الجنس. وهذه القراءة تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون نصبا كقراءة أبي وعبد الله، وأن تكون جرا، كقراءة الأخوين; لأن هذين الاسمين لا ينصرفان فهما محتملان للوجهين. وتقدم الكلام في اشتقاق العين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية