الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 168 ] 382 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذه على أصحابه في بيعته إياهم أن لا يعضه بعضهم بعضا

2390 - حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال : حدثنا الشافعي قال : وأنبأنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ، ولا يعضه بعضكم بعضا ، ولا تعصوني في معروف أمرتكم به ، فمن أصاب منكم منهن واحدة ، فعجلت عقوبته ، فهو كفارته ، ومن أخرت عقوبته فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له .

فتأملنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : ولا يعضه بعضكم [ ص: 169 ] بعضا لنقف على المراد به إن شاء الله .

فوجدنا المزني قد حدثنا قال : قال الشافعي رحمه الله : من كذب على أخيه فقد عضهه .

ووجدنا أبا قرة محمد بن حميد قد حدثنا قال : سمعت سعيد بن كثير بن عفير يقول : العاضهة : الساحرة ، قال : وأنشدنا في ذلك :


أعوذ بربي من العاضها ت في عقد المعضه العاضه

فكان فيما ذكرنا عن المزني ، عن الشافعي أن المراد به الكذب وكان فيما ذكرناه ، عن أبي قرة ، عن ابن عفير أن المراد به هو السحر ، ثم وجدنا في ذلك ما هو أعلى من هذين القولين .

2391 - وهو ما قد حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني وأبو داود الطيالسي ، واللفظ لبشر قالا : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو إسحاق يعني : السبيعي ، عن أبي الأحوص قال : قال عبد الله يعني : ابن مسعود رضي الله عنه : إن محمدا صلى الله عليه وسلم قال : ألا أنبئكم ما العضه ؟ قال : هي النميمة القالة بين الناس .

[ ص: 170 ]

2392 - ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال : حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بالعضه العضه : هي النميمة الفارقة بين الناس .

ووجدنا يزيد قد حدثنا قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي قال : حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كنا نقول في الجاهلية : إن العضه هو السحر وإن العضه فيكم اليوم القالة قيل : وقال : حسب الرجل من الكذب أن يحدث بكل ما سمع .

2393 - ووجدنا يونس بن عبد الأعلى قال : أنبأنا عبد الله بن [ ص: 171 ] وهب قال : أخبرني عبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما العضه ؟ قالوا : الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم قال : هو نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم .

ووجدنا علي بن عبد العزيز قد أجاز لنا ما ذكر لنا أنه سمعه من أبي عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ألا أنبئكم ما العضه ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هي النميمة . قال أبو عبيد : وكذلك هي عندنا قال الشاعر :


أعوذ بربي من النافثات     في عقد العاضه المعضه

يقال : العضهة والعضه والعاضه من العضيهة .

فوقفنا بذلك على أن رد ما أريد في حديث عبادة هو إلى ما قد ذكرناه في هذه الروايات .

[ ص: 172 ] وأما أهل العربية سوى من ذكرناه منهم في هذه الروايات منهم الخليل بن أحمد ، فكانوا يقولون : عضهت فلانا عضها والعضة : الإفك والبهتان وقول الزور قال : ويقال : رماه بالعضيهة أي : بالزور والعضاه شجر الشوك .

فكان ما في هذه الأحاديث التي رويناها في هذا الباب على هذا المذهب أعني من حديث عبد الله ، ومن حديث أنس إنما هو العضه لا العضة ، والعضة : هو القطع . والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية