الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه العاشر: قوله: فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب المشبهة. كلام مجمل؛ فإن من الفرع ما يكون لازما لأصله فإذا كان الأصل مستلزما لوجود الفرع الفاسد كان فساد الفرع وعدمه دليلا على فساد الأصل وعدمه، ومن الفروع ما يكون مستلزما للأصل لا يكون لازما له وهو الغالب؛ فلا يلزم من فساده وعدمه فساد الأصل وعدمه، ولكن يلزم من فساده وعدمه فساد هذا الفرع وعدمه.

فالأول كما قال الله تعالى : ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار [إبراهيم 24-26]، فالكلمتان كلمة الإيمان واعتقاد التوحيد وكلمة الكفر واعتقاد الشرك فلا ريب أن الاعتقادات توجب [ ص: 78 ] الأعمال بحسبها، فإذا كان الاعتقاد فاسدا أورث عملا فاسدا؛ ففساد العمل وهو الفرع يدل على فساد أصله وهو الاعتقاد، وكذلك الأعمال المحرمة التي تورث مفاسد؛ كشرب الخمر الذي يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء، فهذه المفاسد الناشئة من هذا العمل هي فرع لازم للأصل، ففسادها يدل على فساد الأصل، وهكذا كل أصل فهو علة لفرعه وموجب له.

أما القسم الثاني فالأصل الذي يكون شرطا لا يكون علة كالحياة المصححة للحركات والإدراكات وأصول الفقه التي هي العلم بأجناس أدلة الفقه وصفة الاستدلال ونحو ذلك، فهذه الأصول لا تستلزم وجود الفروع، وإذا كان الفرع فاسدا لم يوجب ذلك فساد أصله؛ إذ قد يكون فساده من جهة أخرى غير جهة الأصل، وذلك نظير تولد الحيوان بعضه من بعض؛ فالوالدان أصل للولد والله تعالى وتقدس يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي؛ فالكافر يلد [ ص: 79 ] المؤمن والمؤمن يلد الكافر.

وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن اعتقاد ثبوت الصفات بل اعتقاد التشبيه المحض ليس موجبا لعبادة الأصنام ولا داعيا إليه وباعثا عليه أكثر ما في الباب أن يقال اعتقاد أن الله تعالى وتقدس مثل البشر يمكن معه أن يجعل الصنم على صورة الله تعالى بخلاف من لم يعتقد هذا الاعتقاد؛ فإنه لا يجعل الصنم على صورة الله تعالى فيكون ذلك الاعتقاد شرطا في اتخاذ الصنم على هذا الوجه وهذا القدر إذا صح لم يوجب فساد ذلك الاعتقاد بالضرورة فإن كل باطل في العالم من الاعتقادات والإرادات وتوابعها هي مشروطة بأمور صحيحة واعتقادات صحيحة ولم يدل فساد هذه الفروع المشروطة على فساد تلك الأصول التي هي شرط لها؛ فإن الإنسان لا يصدر منه عمل إلا بشرط كونه حيا قادرا شاعرا ولم يدل فساد ما يفعله من الاعتقادات والإرادات على فساد هذه الصفات والذين أشركوا بالله تعالى وتقدس وعبدوا معه إلها آخر كانوا يقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هم شفعاؤنا عند الله ويعتقدون أن الله يملكهم كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، وقد قال تعالى: [ ص: 80 ] ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [الروم 28] وقد أخبر عنهم سبحانه وتعالى بقوله تعالى: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله [لقمان 25] .

وقال: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون [المؤمنون 84-89] .

وقال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف 106]، قال عكرمة: يؤمنون أنه [ ص: 81 ] رب كل شيء وهم يشركون به.

فإذا كانوا إنما أشركوا به لاعتقادهم أنه رب كل شيء ومليكه وأن هذه الشفعاء والشركاء ملكه وآمنوا بأنه رب كل شيء ثم اعتقدوا مع ذلك أن عبادة هذه الأوثان تنفعهم عنده؛ فهل يكون ما ابتدعوه من الشرك الذي هو فرع مشروط بذلك الأصل قادحا في صحة ذلك الإيمان والإقرار الحق الذي قالوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية