الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (121) قوله تعالى : وإذ غدوت العامل في "إذ " مضمر تقديره : واذكر إذ غدوت ، فينتصب انتصاب المفعول به لا على الظرف . وجوز بعضهم أن يكون معطوفا على " فئتين " في قوله : قد كان لكم آية في فئتين أي : قد كان لكم آية في فئتين وفي إذ غدوت ، وهذا لا ينبغي أن يعرج عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      والغدو : الخروج أول النهار يقال : غدا يغدو أي : خرج غدوة ، ويستعمل بمعنى صار عند بعضهم ، فيكون ناقصا يرفع الاسم وينصب الخبر ، وعليه قوله [عليه ] السلام : " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : من أهلك متعلق بـ "غدوت " وفي "من " وجهان ، أظهرهما : أنها لابتداء الغاية أي : من بين أهلك ، قال أبو البقاء : "وموضعه نصب تقديره : فارقت أهلك " وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب ولا تفسير معنى ، فإن المعنى على غير ما ذكر . والثاني : أنها بمعنى مع أي : مع أهلك ، وهذا لا يساعده لا لفظ ولا معنى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : تبوئ الجملة يجوز أن تكون حالا من فاعل "غدوت " ، وهي [ ص: 379 ] حال مقدرة أي : قاصدا تبوئة المؤمنين ، لأن وقت الغدو ليس وقتا للتبوئة . ويحتمل أن تكون مقارنة ؛ لأن الزمان متسع .

                                                                                                                                                                                                                                      وتبوئ أي : تنزل فهو يتعدى لمفعولين إلى أحدهما بنفسه وإلى آخر بحرف الجر ، وقد يحذف كهذه الآية . ومن عدم الحذف قوله تعالى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت وأصله من المباءة وهي المرجع . قال :


                                                                                                                                                                                                                                      1418 - وما بوأ الرحمن بيتك منزلا بشرقي أجياد الصفا والمحرم



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1419 - كم من أخ لي صالح     بوأته بيدي لحدا



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة . وقيل : "اللام في قوله " لإبراهيم "مزيدة ، فعلى هذا يكون متعديا للاثنين بنفسه " .

                                                                                                                                                                                                                                      ومقاعد جمع "مقعد " . والمراد به هنا مكان القعود . وقعد قد يكون بمعنى صار في المثل خاصة . وقال الزمخشري : "وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار " . قال الشيخ : "أما إجراء " قعد "مجرى " صار " [ ص: 380 ] فقال بعض أصحابنا إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل في قولهم : " شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة " ، وكذلك نقد على الزمخشري تخريجه قوله تعالى : فتقعد مذموما بمعنى : فتصير ، لأنه لا يطرد إجراء قعد مجرى صار " قلت : وهذا الذي ذكره الزمخشري صحيح من كون "قعد " يكون بمعنى صار في غير ما أشار إليه هذا القائل ، حكى أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي أن العرب تقول : "قعد فلان أميرا بعد أن كان مأمورا " أي صار . ثم قال الشيخ : "وأما إجراء " قام "مجرى " صار "فلا أعلم أحدا عدها في أخوات " كان " ، ولا جعلها بمعنى صار ، إلا ابن هشام الخضراوي فإنه ذكر في قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      1420 - على ما قام يشتمني لئيم     كخنزير تمرغ في رماد



                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وغيره من النحويين يجعلها زائدة ، وهو شاذ أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة : " تبوئ "عدوه بالتضعيف . وعبد الله : " تبوئ "بسكون الباء عداه بالهمزة ، فهو مضارع أبوأ كأكرم ، وقرأ يحيى بن وثاب " تبوي "كقراءة عبد الله ، إلا أنه سهل الهمزة بإبدالها ياء فصار لفظه كلفظ " تحيي "كقولهم : تقري في تقرئ . وقرأ عبد الله : " للمؤمنين "بلام الجر كقوله : وإذ بوأنا [ ص: 381 ] لإبراهيم . وتقدم أن في هذه اللام قولين . والظاهر أنها معدية ؛ لأنه قبل التضعيف والهمزة غير متعد بنفسه . ويحتمل أن يكون قد ضمنه هنا معنى " تهيئ " ، و " ترتب " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأشهب : " مقاعد القتال "بإضافتها للقتال . واللام في " للقتال "في قراءة الجمهور فيها وجهان ، أظهرهما : أنها متعلقة بـ " تبوئ "على أنها لام العلة ، والثاني : أنها متعلقة بمحذوف لأنها صفة لـ مقاعد أي : مقاعد كائنة ومهيئة للقتال ، ولا يجوز تعلقها بـ " مقاعد "وإن كانت مشتقة ، لأنها مكان والأمكنة لا تعمل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية