الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 182 ] 384 - باب بيان مشكل ما روي عن ابن عباس وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما مما نحيط علما أنهما لم يقولاه إلا بأخذهما إياه من النبي صلى الله عليه وسلم في بيان مشكل قول الله عز وجل : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين

حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا زكريا بن إسحاق قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ( وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ) . قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . [ ص: 183 ] [ ص: 184 ]

حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا بن يحيى قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ هذه الآية : ( وعلى الذين يطوقونه ) . قال : هو الكبير يطعم عنه نصف صاع كل يوم .

[ ص: 185 ]

حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا مخول بن إبراهيم قال : أخبرنا إسرائيل بن يونس ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل : وعلى الذين يطيقونه . قال : الذين يتجشمونه ولا يطيقونه يعني إلا بالجهد : الحبلى والكبير والمريض وصاحب العطاس .

حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس كانت [ ص: 186 ] له جارية ترضع فجهدت فقال لها : أفطري فإنك بمنزلة الذين يطيقونه .

فدل ما رويناه عن ابن عباس في هذا الباب أنه مختلف عنه في ( يطوقونه ) و يطيقونه وأن عطاء ومجاهدا رويا عنه ( يطوقونه ) وأن سعيد بن جبير روى عنه يطيقونه وفي جميع ما رويناه عنه من ذلك إعادة البدل من الصيام إلى الإطعام لا إلى صيام .

حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة بن الأكوع أنه قال : لما نزلت هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . كان من أراد أن يفطر ويفتدي فعل [ ص: 187 ] حتى نزلت التي بعدها فنسختها .

قال أبو جعفر : يعني قول الله عز وجل : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر .

قال أبو جعفر : فرد الله عز وجل البدل من الصوم إلى الفدية بالإطعام ، لما كان الحكم على ما في الآية الأولى لا إلى ما سواه من صيام عن من وجب عليه ، ثم نسخ الله عز وجل ذلك بما في الآية الثانية ، وبقي ما في الآية الأولى مما يفعله من عجز عن الصيام وهو الفدية بالإطعام لا غيره عنه .

وقد يحتمل أن يكون في الآثار التي رويناها في الباب الذي قبل هذا الباب من الصيام عن الموتى كان قبل نزول هذه الآية المذكورة في حديثي ابن عباس وسلمة اللذين ذكرنا ، ثم استعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإطعام في ذلك لا الصيام مكانه ، منهم أنس بن مالك وقيس بن السائب .

[ ص: 188 ]

كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم سنة قبل موته فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا .

2400 - وكما حدثنا أبو أمية قال : حدثنا سريج بن النعمان الجوهري قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، [ ص: 189 ] عن قيس بن السائب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لي شريكا ، فخير شريك ، لا يماري ولا يداري ، وكان قيس قد كبر ، فكان يطعم عن الإنسان في شهر رمضان إذا كبر مدين كل يوم ، فأطعموا عني صاعا .

قال : وفيما ذكرنا من هذا ما قد دل على استعمال الإطعام عن الصيام ، لا صيام غير من وجب عليه عن من وجب عليه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية