الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس ؟ فقال : نعم فصلى أبو بكر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يده فحمد الله على ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، ثم استأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما انصرف قال : يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق ؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء } .

( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم [ ص: 203 ] عن عطاء بن يسار عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جلده أثر الماء } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا الثقة عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه ( قال : الشافعي ) : والاختيار إذا أحدث الإمام حدثا لا يجوز له معه الصلاة من رعاف ، أو انتقاض وضوء ، أو غيره فإن كان مضى من صلاة الإمام شيء ركعة ، أو أكثر أن يصلي القوم فرادى لا يقدمون أحدا وإن قدموا ، أو قدم إمام رجلا فأتم لهم ما بقي من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وكذلك لو أحدث الإمام الثاني والثالث والرابع وكذلك لو قدم الإمام الثاني ، أو الثالث بعض من في الصلاة ، أو تقدم بنفسه ولم يقدمه الإمام فسواء وتجزيهم صلاتهم في ذلك كله ; لأن أبا بكر قد افتتح للناس الصلاة ثم استأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار أبو بكر مأموما بعد أن كان إماما وصار الناس يصلون مع أبي بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتحوا بصلاة أبي بكر وهكذا لو استأخر الإمام من غير حدث وتقدم غيره أجزأت من خلفه صلاتهم ، وأختار أن لا يفعل هذا الإمام وليس أحد في هذا كرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فعله وصلى من خلفه بصلاته فصلاتهم جائزة مجزية عنهم وأحب إذا جاء الإمام وقد افتتح الصلاة غيره أن يصلي خلف المتقدم إن تقدم بأمره ، أو لم يتقدم قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف في سفره إلى تبوك فإن قيل فهل يخالف هذا استئخار أبي بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل هذا مباح وللإمام أن يفعل أي هذا شاء والاختيار أن يأتم الإمام بالذي يفتتح الصلاة ولو أن إماما كبر وقرأ ، أو لم يقرأ إلا أنه لم يركع حتى ذكر أنه على غير طهارة كان مخرجه ، أو وضوءه ، أو غسله قريبا فلا بأس أن يقف الناس في صلاتهم حتى يتوضأ ويرجع ويستأنف ويتمون هم لأنفسهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر أنه جنب فانتظره القوم فاستأنف لنفسه لأنه لا يعتد بتكبيره وهو جنب ويتمون لأنفسهم ; لأنهم لو خرجوا من صلاته صلوا لأنفسهم بذلك التكبير فإن كان خروجه متباعدا وطهارته تثقل صلوا لأنفسهم بذلك التكبير لو أشار إليهم أن ينتظروه وكلمهم بذلك كلاما فخالفوه وصلوا لأنفسهم ، أو قدموا غيره أجزأتهم صلاتهم والاختيار عندي والله تعالى أعلم للمأمومين إذا فسدت على الإمام صلاته أن يتموا فرادى ولو أن إماما صلى ركعة ، ثم ذكر أنه جنب فخرج فاغتسل وانتظره القوم فرجع فبنى على الركعة فسدت عليهم صلاتهم ; لأنهم يأتمون به وهم عالمون أن صلاته فاسدة ; لأنه ليس له أن يبني على صلاة صلاها جنبا ولو علم ذلك بعضهم ولم يعلمه بعض فسدت صلاة من علم ولم تفسد صلاة من لم يعلم ( قال : الشافعي ) : وإذا أم الرجل القوم فذكر أنه على غير طهر أو انتقضت طهارته فانصرف فقدم آخر ، أو لم يقدمه فقدمه بعض المصلين خلفه ، أو تقدم هو متطوعا بنى على صلاة الإمام وإن اختلف من خلف الإمام فقدم بعضهم رجلا وقدم آخرون غيره فأيهما تقدم أجزأهم أن يصلوا خلفه ، وكذلك إن تقدم غيرهما ولو أن إماما صلى ركعة ثم أحدث فقدم رجلا قد فاتته تلك الركعة مع الإمام ، أو أكثر فإن كان المتقدم كبر مع الإمام قبل أن يحدث الإمام مؤتما [ ص: 204 ] بالإمام فصلى الركعة التي بقيت على الإمام وجلس في مثنى الإمام ، ثم صلى الركعتين الباقيتين على الإمام وتشهد فإذا أراد السلام قدم رجلا لم يفته شيء من صلاة الإمام فسلم بهم وإن لم يفعل سلموا هم لأنفسهم آخرا وقام هو فقضى الركعة التي بقيت عليه ولو سلم هو بهم ساهيا وسلموا لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم وبنى هو لنفسه وسجد للسهو .

وإن سلم عامدا ذاكرا ; لأنه لم يكمل الصلاة فسدت صلاته وقدموا هم رجلا فسلم بهم ، أو سلموا لأنفسهم أي ذلك فعلوا أجزأتهم صلاتهم ولو قام بهم فقاموا وراءه ساهين ، ثم ذكروا قبل أن يركعوا كان عليهم أن يرجعوا فيتشهدوا ، ثم يسلموا لأنفسهم ، أو يسلم بهم غيره ، ولو اتبعوه فذكروا رجعوا جلوسا ولم يسجدوا وكذلك لو سجدوا إحدى السجدتين ولم يسجدوا الأخرى ، أو ذكروا وهم سجود قطعوا السجود على أي حال ذكروا أنهم زائدون على الصلاة وهم فيها فارقوا تلك الحال إلى التشهد ، ثم سجدوا للسهو وسلموا ، ولو فعل هذا بعضهم وهو ذاكر لصلاته عالم بأنه لم يكمل عددها فسدت عليه صلاته ; لأنه عمد الخروج من فريضة إلى صلاة نافلة قبل التسليم من الفريضة ولا خروج من صلاة إلا بسلام " قال : أبو يعقوب البويطي " ومن أحرم جنبا بقوم ، ثم ذكر فخرج فتوضأ ورجع لم يجز له أن يؤمهم ; لأن الإمام حينئذ إنما يكبر للافتتاح وقد تقدم ذلك إحرام القوم وكل مأموم أحرم قبل إمامه فصلاته باطلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإذا كبر فكبروا } وليس كالمأموم يكبر خلف الإمام في آخر صلاة الإمام وقد كبر قوم خلف الإمام في أول صلاة الإمام فيحدث الإمام فيقدم الذي أحرم معه في آخر صلاته وقد تقدم إحرامه إحرام من أدرك أول صلاة الإمام من هذا بسبيل ( قال : الشافعي ) : من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية