الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 218 ] آ. (69 - 70) قوله: لو نشاء جعلناه أجاجا : قد تقدم عدم دخول اللام في جواب "لو" هذه. وقال الزمخشري : "فإن قلت: لم أدخلت اللام في جواب "لو" في قوله: لجعلناه حطاما ونزعت منه ههنا؟ قلت: إن "لو" لما كانت داخلة على جملتين، معلقة ثانيتهما بالأولى تعليق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كـ "إن" ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا، من حيث إفادتها في مضموني جملتيها أن الثاني امتنع لامتناع الأول، افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعليق، فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك، فإذا حذفت بعدما صارت علما مشهورا مكانه فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع. ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول: "خير" لمن يقول له: كيف أصبحت؟ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه وتساوي حالي إثباته وحذفه لشهرة أمره. وناهيك بقول أوس:


                                                                                                                                                                                                                                      4219 - حتى إذا الكلاب قال لها كاليوم مطلوبا ولا طلبا



                                                                                                                                                                                                                                      فحذف "لم أر" فإذن حذفها اختصار لفظي، وهي ثابتة في المعنى فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما. على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية. ويجوز أن يقال: إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب، للدلالة على أن [ ص: 219 ] أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم، ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعدما تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء:


                                                                                                                                                                                                                                      4220 - إذا سقيت ضيوف الناس محضا     سقوا أضيافهم شبما زلالا



                                                                                                                                                                                                                                      وسقي بعض العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : "وقد طول الزمخشري " فلم يذكر هذا الكلام الحسن، ثم ذكر بعض كلامه، وواخذه في قوله: "إن الثاني امتنع لامتناع الأول" وجعلها عبارة بعض ضعفاء المعربين، ثم ذكر عبارة سيبويه ، وهي: حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وذكر أن قول من قال: "امتناع لامتناع" فاسد بقولك: لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا، يعني أنه لا يلزم من امتناع الإنسانية امتناع الحيوانية. ومثل هذه الإيرادات سهلة وإذا تبع الرجل الناس في عبارتهم لا عليه. على أنها عبارة المتقدمين من النحاة، نص على ذلك غير واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من المزن : السحاب وهو اسم جنس واحده مزنة. قال الشاعر: [ ص: 220 ]

                                                                                                                                                                                                                                      4221- فلا مزنة ودقت ودقها     ولا أرض أبقل إبقالها



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      4222 - ونحن كماء المزن ما في نصابنا     كهام ولا فينا يعد بخيل



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية