الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 40 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فأخذنا جميع هذه الأمم التي ذكرناها لك يا محمد بعذابنا [ ص: 36 ] ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) وهم قوم لوط الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البرد والجليد حاصبا ، ومنه قول الأخطل :


ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال يكبهن شمالا     ترمي العضاه بحاصب من ثلجها
حتى يبيت على العضاه جفالا



وقال الفرزدق :


مستقبلين شمال الشأم تضربنا     بحاصب كنديف القطن منثور



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) قوم لوط .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) وهم قوم لوط ( ومنهم من أخذته الصيحة ) .

اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بذلك ، فقال بعضهم : هم ثمود قوم صالح .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ثمود .

وقال آخرون : بل هم قوم شعيب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومنهم من أخذته الصيحة ) قوم شعيب . [ ص: 37 ]

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع ، ثم قال جل ثناؤه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : فمن الأمم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا ، ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ، فلم يخصص الخبر بذلك عن بعض من أخذته الصيحة من الأمم دون بعض ، وكلا الأمتين أعني ثمود ومدين قد أخذتهم الصيحة . وقوله : ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) يعني بذلك قارون .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) قارون ( ومنهم من أغرقنا ) يعني : قوم نوح وفرعون وقومه .

واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : عنى بذلك : قوم نوح عليه السلام .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( ومنهم من أغرقنا ) قوم نوح .

وقال آخرون : بل هم قوم فرعون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومنهم من أغرقنا ) قوم فرعون .

والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : عني به قوم نوح وفرعون وقومه ؛ لأن الله لم يخصص بذلك إحدى الأمتين دون الأخرى ، وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الخبر عنهما ، فهما معنيتان به .

وقوله : ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم الذين أهلكهم ، بذنوب غيرهم ، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق ، بل إنما أهلكهم بذنوبهم ، وكفرهم بربهم ، وجحودهم نعمه عليهم ، [ ص: 38 ] مع تتابع إحسانه عليهم ، وكثرة أياديه عندهم ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بتصرفهم في نعم ربهم ، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره ، ومعصيتهم من أنعم عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية