الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (79) قوله: لا يمسه : في "لا" هذه وجهان، أحدهما: أنها نافية فالضمة في "لا يمسه" ضمة إعراب، وعلى هذا القول ففي الجملة وجهان، أحدهما: أن محلها الجر صفة لـ "كتاب" والمراد بـ "كتاب": إما اللوح المحفوظ، والمطهرون حينئذ الملائكة أو المراد به المصاحف، والمراد بالمطهرين المكلفون كلهم. والثاني: أن محلها الرفع صفة لقرآن، والمراد بالمطهرين الملائكة فقط، أي: لا يطلع عليه أو لا يمس لوحه. لا بد من أحد هذين التجوزين; لأن نسبة المس إلى المعاني حقيقة متعذر. ويؤيد كون هذه نفيا قراءة عبد الله "ما يمسه" بـ "ما" النافية.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني من الوجهين الأولين: أنها ناهية، والفعل بعدها مجزوم; لأنه لو فك عن الإدغام لظهر ذلك فيه كقوله: لم يمسسهم سوء ولكنه أدغم، ولما أدغم حرك آخره بالضم لأجل هاء ضمير المذكر الغائب، ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا إلا الضم. وفي الحديث: "إنا [ ص: 225 ] لم نرده عليك إلا أننا حرم" وإن كان القياس يقتضي جواز فتحه تخفيفا، وبهذا الذي ذكرته يظهر فساد رد من رد: بأن هذا لو كان نهيا لكان يقال: "لا يمسه" بالفتح; لأنه خفي عليه جواز ضم ما قبل الهاء في هذا النحو، لا سيما على رأي سيبويه فإنه لا يجيز غيره. وقد ضعف ابن عطية كونه نهيا: بأنه إذا كان خبرا فهو في موضع الصفة، وقوله بعد ذلك "تنزيل" صفة فإذا جعلناه نهيا كان أجنبيا معترضا بين الصفات وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره. وفي حرف ابن مسعود "ما يمسه". انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وليس فيما ذكره ضعف لهذا القول; لأنا لا نسلم أن "تنزيل" صفة، بل هو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو تنزيل فلا يلزم ما ذكره من الاعتراض. ولئن سلمنا أنه صفة فـ "لا يمسه" صفة أيضا، فيعترض علينا: بأنه طلب. فيجاب: بأنه على إضمار القول أي: مقول فيه: لا يمسه، كما قالوا ذلك في قوله: "فتنة لا تصيبن" على أن "لا تصيبن" نهي وهو كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4228 - جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم تحقيقه في الأنفال، وهذه المسألة يتعلق بها خلاف [ ص: 226 ] العلماء في مس المحدث المصحف، وهو مبني على هذا، وسيأتي تحقيقه بأشبع من هذا في كتاب "أحكام القرآن" إن شاء الله تعالى إتمامه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة "المطهرون" بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول، وعن سلمان الفارسي كذلك، إلا أنه بكسر الهاء اسم فاعل أي: المطهرون أنفسهم، فحذف مفعوله. ونافع وأبو عمرو في رواية عنهما وعيسى بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة اسم مفعول من أطهر. وزيد والحسن وعبد الله بن عون وسلمان أيضا "المطهرون" بتشديد الطاء والهاء المكسورة، وأصله المتطهرون فأدغم. وقد قرئ بهذا الأصل أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية