الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 190 ] 385 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أجاب به من سأله عن ميراث رجل من الأزد في يده لما ذكر له أنه لم يجد أزديا

2401 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جبريل بن أحمر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن عندي ميراث رجل من الأزد ، وإني لم أجد أحدا أزديا أدفعه إليه قال : انطلق ابتغ أزديا عاما ، أو قال : حولا ، فانطلق ، ثم رجع في العام الثاني فقال : يا رسول الله والله ما وجدت أزديا أدفعه إليه ، قال : انطلق فانظر أول خزاعي فادفعه إليه .

[ ص: 191 ]

2402 - حدثنا يحيى بن عثمان قال : حدثنا نعيم بن حماد ( ح ) قال : وحدثنا محمد بن سنان الشيزري قال : حدثنا عيسى بن سليمان الشيزري قال : حدثنا عباد بن العوام ، قال يحيى : عن جبريل بن أحمر أبي بكر ، وقال محمد : عن جبريل بن أحمر ، ثم اجتمعا فقالا : عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، ثم ذكر مثله غير أنه قال : انطلق فادفعه إلى أول خزاعي تلقاه ، فلما قفا قال : علي به ، قال : فرجع ، قال : انطلق فادفعه إلى أكبر خزاعة .

قال أبو جعفر : ومعنى أكبر خزاعة عندنا - والله أعلم - أكبرها في [ ص: 192 ] النسب ، ومنه : الولاء للكبر .

2403 - حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال : حدثنا موسى بن محمد الأنصاري قال : أخبرنا جبريل بن أحمر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : عندي ميراث رجل من الأزد لا أجد أزديا أدفعه إليه ، قال : تربص به حولا ، قال : ففعل ثم أتاه فقال : اذهب فادفعه إلى أكبر خزاعة .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث فوجدنا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الذي سأله عمن سأله عنه فيه من ابتغاء أزدي حولا قد أمر في ذلك كمثل ما أمر به في اللقطة ، وفي ابتغاء صاحبها حولا ، ثم تصرف فيما يجب صرفها فيه بعد الحول ، فجعل مثل ذلك ما أمر به السائل له في الحديث الذي روينا من طلب أزدي حولا ، ومن رد ذلك الميراث إن لم يجده حتى يمضي الحول إلى الأكبر من خزاعة ، لأنهم [ ص: 193 ] من الأزد ، وإنما انخزعوا منهم لما خرجوا من اليمن فصاروا إلى مكة ، وهم بنو مازن بن الأسود بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، فحالفوا بمكة من حالفوه بها ، فصاروا بذلك حلفاء بني هاشم .

فقال قائل : فكيف يجوز أن يكون ما في هذا الحديث كما ذكر فيه من عدم الذي كان ذلك الميراث عنده وجود أزدي يستحقه حتى يطلبه من خزاعة ، والأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من الأزد وهم أقرب إلى ذلك المتوفى من خزاعة ، لأن خزاعة لما انخزعت سميت بذلك وهي من بطن بعينه من الأزد ، ومن سواها من الأزد ليس من ذلك البطن ، فنسبت هي إلى ما نسبت إليه وبانت بذلك من الأزد ، وبقي من سواها من بطون الأزد على ما كانوا عليه قبل ذلك من النسبة إلى الأزد ، كما قد بانت أفخاذ قريش من قريش بما هي من أفخاذ قريش فقيل : الهاشميون للهاشميين والعبشميون لعبد شمس حتى قيل في بطون قريش كذلك وقريش تجمعها كلها .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن هذا يحتمل أن يكون كان بمكة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى المدينة وقبل إسلام الأنصار ، ومما يقرب أن ذلك كذلك في القلوب أن الذي روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو بريدة بن الحصيب وهو رجل من أسلم ، وأسلم من خزاعة [إسلام أسلم و] إسلام خزاعة كان والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة .

فكان ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأله عن ما سأله عنه في حديثه وجواب النبي صلى الله عليه وسلم إياه بما أجابه به فيه ، ولا أنصار حينئذ ولا [ ص: 194 ] أحد أقعد حينئذ بالأزد منهم ذلك المتوفى إلا خزاعة ، وفي ذلك ما قد دل على أن ذلك ممن قد كان أسلم ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى الأقعد من مسلمي خزاعة .

وقد روى شريك بن عبد الله النخعي ، عن جبريل بن أحمر ، فخالف فيه موسى بن محمد الأنصاري ، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ، وعباد بن العوام .

2404 - كما حدثنا يونس بن عبد الأعلى ومحمد بن خزيمة قالا : حدثنا عمرو بن خالد قال : أخبرنا شريك بن عبد الله قال : حدثنا جبريل بن أحمر ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بميراث رجل من خزاعة فقال : اطلبوا له وارثا ، فطلبوه فلم يجدوه فقال : اطلبوا له قرابة ، فطلبوا فلم يجدوا ، فقال : اطلبوا له ذا رحم ، فطلبوا فلم يجدوا فقال : ادفعوا ماله إلى أكبر خزاعة .

قال أبو جعفر : ما كان عند يونس لعمرو بن خالد إلا حديثان : هذا الحديث وآخر .

2405 - وكما حدثنا فهد ، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، [ ص: 195 ] قال : أخبرنا شريك قال : حدثنا جبريل بن أحمر ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بميراث رجل من خزاعة ثم ذكر مثله .

قال أبو جعفر : فكان ما رواه سوى شريك فهذا الحديث عليه أولى عندنا مما رواه شريك عليه لعددهم ، ولأن ثلاثة أولى بالحفظ من واحد ، ولاستحالة بعض ما في حديث شريك مما ذكر فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : اطلبوا له ذا رحم وهذا لا يجوز في العرب ، لأن العرب لا تورث بالأرحام ، وإنما تورث بالعصبات إلا حيث ورث الله عز وجل ذوي الفرائض المسماة منهم والأخوات للأب والأم أو للأب مع البنات لأنهم إذا لم يوجد عصباتهم من أفخاذهم وجدت من الأفخاذ التي تتلو أفخاذهم كما يفعل فيهم في عقول جناياتهم ؛ تحمل أفخاذهم الذين يحملون أروش الجنايات ، فإن قصر عددهم عن احتمال أروشها رد ذلك إلى من يتلوهم من الأفخاذ ، وإنما التوارث بالأرحام المخالفة لما ذكرنا في غير العرب من العجم الذين لا يرجعون إلى شعوب ولا إلى قبائل ، وإنما يرجعون إلى بلدان لا إلى ما سواها كما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد حمله من رواه عن أصحابه على ذلك .

2406 - كما حدثنا حسين بن نصر قال : سمعت يزيد بن هارون ( ح ) .

وكما حدثنا علي بن شيبة وأبو أمية جميعا قالا : حدثنا يزيد بن هارون ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : أخبرنا الجريري ، عن أبي [ ص: 196 ] العلاء بن الشخير ، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل حتى يقال : من بقي من بني فلان فعرفت أنه يعني العرب ؛ لأن العجم إنما تنسب إلى قراها .

[ ص: 197 ] وقد روي في قول الله عز وجل : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . ما قد حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن أبي الحصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما فيقول الله عز وجل : شعوبا وقبائل . قال : الشعوب الجماع ، والقبائل الأفخاذ التي يتعارفون بها .

[ ص: 198 ]

وما قد حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا الفريابي قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو يحيى ، عن مجاهد في قوله عز وجل : شعوبا وقبائل . قال : الشعوب النسب البعيد والقبائل دون ذلك .

وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . قال : الشعوب نحو تميم وبكر ، والقبائل الأفخاذ .

وما قد حدثنا ولاد النحوي قال : حدثنا المصادري ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى : شعوبا وقبائل ، يقال : من شعب من أنت ؟ فيقول : من مضر من ربيعة والقبائل : دون ذلك . قال ابن أحمر :


من شعب همدان أو سعد العشيرة أو من شعب مذحج قد هاجوا له نظرا

[ ص: 199 ] قال أبو جعفر : والعرب ترجع إلى الشعوب وإلى القبائل وإلى الأفخاذ وبها يتوارثون ، والعجم لا ترجع إلى ذلك ، وإنما تجمعهم بلدانهم لا ما سواها ، وكذلك كان أبو يوسف يقول في التوارث بالأرحام التي ليست عصبات : إنما هو في العجم لا في العرب ، فاستحال بذلك ما في حديث شريك مما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طلب ذي الرحم ليدفع إليه ميراث الأزدي الذي نسبه شريك فيه إلى خزاعة . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية