الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه آخر

                                                                                                          211 حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب قالا حدثنا علي بن عياش الحمصي حدثنا شعيب بن أبي حمزة حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر وأبو حمزة اسمه دينار

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي ) التميمي مولاهم البخاري الحافظ الجوال ، وثقه النسائي وابن عدي ، روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم .

                                                                                                          ( وإبراهيم بن يعقوب ) الحافظ الجوزجاني بضم الجيم الأولى مصنف الجرح والتعديل ، نزيل دمشق ، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه ، وكان أحمد يكاتبه إلى دمشق ويكرمه إكراما شديدا ، وقال الدارقطني : كان من الحفاظ المصنفين وقد رمي بالنصب ، توفي سنة 259 تسع وخمسين ومائتين ، قال الحافظ في التقريب : ثقة حافظ .

                                                                                                          قوله : ( علي بن عياش ) بالياء الأخيرة والشين المعجمة ، وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره .

                                                                                                          ( حين يسمع النداء ) أي الأذان واللام للعهد أو المراد من النداء تمامه ، أي حين يسمع النداء بتمامه ، يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ : قولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان .

                                                                                                          ( اللهم ) أي يا الله والميم عوض عن " يا " فلذلك لا يجتمعان ( رب ) منصوب على النداء ( هذه الدعوة التامة ) بفتح الدال والمراد بالدعوة هاهنا ألفاظ الأذان التي يدعى بها الشخص إلى عبادة الله تعالى ، قاله العيني ، وقال الحافظ : المراد بها دعوة التوحيد ، كقوله تعالى : له دعوة الحق ، وقيل لدعوة التوحيد تامة ؛ لأن الشرك نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل ، بل هي باقية [ ص: 531 ] إلى يوم النشور ، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد .

                                                                                                          ( والصلاة ) المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ ( القائمة ) أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة ، وأنها قائمة ما دامت السماوات والأرض .

                                                                                                          ( آت ) أمر من الإيتاء ، أي أعط ( الوسيلة ) قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وقع ذلك في حديث عبد الله بن عمر عند مسلم .

                                                                                                          ( والفضيلة ) المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة ، قاله الحافظ .

                                                                                                          ( مقاما محمودا ) أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ونصب على الظرفية ، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا ، أو ضمن ابعثه معنى أقمه ، أو على أنه مفعول به ، ومعنى ابعثه أعطه .

                                                                                                          ( الذي وعدته ) قال الحافظ في الفتح : زاد في رواية البيهقي : إنك لا تخلف الميعاد . وقال الطيبي المراد بذلك قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وأطلق عليه الوعد ؛ لأن " عسى " من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره ، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصح وصفه بالموصول قال ابن الجوزي : والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة ، وقيل إجلاسه على العرش ، وقيل على الكرسي ، وحكى كلا من القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة ، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور ، وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ، ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء ، فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ، ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة ، ويشعر قوله في آخر الحديث " حلت له شفاعتي " بأن الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          ( إلا حلت له الشفاعة ) أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه ، يقال حل يحل بالضم إذا نزل ، واللام بمعنى " على " ، ويؤيده رواية مسلم : حلت عليه ، ووقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود " وجبت له " ولا يجوز أن يكون حلت من الحل ؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة ، كذا في الفتح ، وفي رواية البخاري حلت له شفاعتي بدون إلا وهو الظاهر ، وأما مع إلا فيجعل " من " في " من قال " استفهامية للإنكار ، قاله في فتح الودود . وقال السيوطي في حاشية النسائي ما لفظه : وقوله هنا وفي رواية الترمذي " إلا " يحتاج إلى تأويل ، وتأويله أنه حمله على معنى لا يقول ذلك أحد إلا حلت ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 532 ] فائدة : قد اشتهر على الألسنة في هذا الدعاء زيادتان ، الأولى إنك لا تخلف الميعاد في آخره ، والثانية والدرجة الرفيعة بعد قوله والفضيلة ، أما الأولى فقد وقعت في رواية البيهقي كما عرفت ، وأما الثانية فلم أجدها في رواية ، قال القاري في المرقاة : أما زيادة الدرجة الرفيعة المشهورة على الألسنة فقال البخاري : لم أره في شيء من الروايات ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( حديث جابر حديث حسن غريب . . . إلخ ) ، بل هو حديث صحيح غريب ، فإنه أخرجه البخاري في صحيحه بسند الترمذي قال الحافظ : فهو غريب مع صحته ، وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر ، كذا في قوت المغتذي .




                                                                                                          الخدمات العلمية