الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سفر ]

                                                          سفر : سفر البيت وغيره يسفره سفرا : كنسه . والمسفرة : المكنسة وأصله الكشف والسفارة ، بالضم : الكناسة وقد سفره : كشطه . وسفرت الريح الغيم عن وجه السماء سفرا فانسفر : فرقته فتفرق وكشطته عن وجه السماء ; وأنشد :


                                                          سفر الشمال الزبرج المزبرجا

                                                          الجوهري : والرياح يسافر بعضها بعضا لأن الصبا تسفر ما أستدته الدبور والجنوب تلحمه . والسفير : ما سقط من ورق الشجر وتحات وسفرت الريح التراب والورق تسفره سفرا كنسته ، وقيل : ذهبت به كل مذهب . والسفير : ما تسفره الريح من الورق

                                                          [ ص: 196 ] ويقال : لما سقط من ورق العشب : سفير ، لأن الريح تسفره أي تكنسه ; قال ذو الرمة :


                                                          وحائل من سفير الحول جائله     حول الجرائم في ألوانه شهب

                                                          يعني الورق تغير لونه فحال وابيض بعدما كان أخضر ، ويقال : انسفر مقدم رأسه من الشعر إذا صار أجلح . والانسفار : الانحسار . يقال : انسفر مقدم رأسه في الشعر . وفي حديث النخعي : أنه سفر شعره أي استأصله وكشفه عن رأسه . وانسفرت الإبل إذا ذهبت في الأرض . والسفر : خلاف الحضر ، وهو مشتق من ذلك لما فيه من الذهاب والمجيء كما تذهب الريح بالسفير من الورق وتجيء ، والجمع أسفار . ورجل سافر : ذو سفر ، وليس على الفعل لأنه لم ير له فعل ; وقوم سافرة وسفر وأسفار وسفار ، وقد يكون السفر للواحد ; قال :


                                                          عوجي علي فإنني سفر

                                                          والمسافر : كالسافر . وفي حديث حذيفة وذكر قوم لوط فقال : وتتبعت أسفارهم بالحجارة ; يعني المسافر منهم ، يقول : رموا بالحجارة حيث كانوا فألحقوا بأهل المدينة . يقال : رجل سفر وقوم سفر ، ثم أسافر جمع الجمع . وقال الأصمعي : كثرت السافرة بموضع كذا أي المسافرون . قال : والسفر جمع سافر ، كما يقال : شارب وشرب ، ويقال : رجل سافر وسفر أيضا . الجوهري : السفر قطع المسافة ، والجمع الأسفار . والمسفر : الكثير الأسفار القوي عليها ; قال :


                                                          لن يعدم المطي مني مسفرا     شيخا بجالا وغلاما حزورا

                                                          والأنثى مسفرة . قال الأزهري : وسمي المسافر مسافرا لكشفه قناع الكن عن وجهه ، ومنازل الحضر عن مكانه ، ومنزل الخفض عن نفسه ، وبروزه إلى الأرض الفضاء ، وسمي السفر سفرا لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافيا منها . ويقال : سفرت أسفر سفورا خرجت إلى السفر فأنا سافر وقوم سفر ، مثل صاحب وصحب ، وسفار مثل راكب وركاب ، وسافرت إلى بلد كذا مسافرة وسفارا ; قال حسان :


                                                          لولا السفار وبعد خرق مهمه     لتركتها تحبو على العرقوب

                                                          وفي حديث المسح على الخفين : أمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين ; الشك من الراوي في السفر والمسافرين . والسفر : جمع سافر ، والمسافرون : جمع مسافر ، والسفر والمسافرون بمعنى . وفي الحديث : أنه قال لأهل مكة عام الفتح : يا أهل البلد صلوا أربعا فأنا سفر ; ويجمع السفر على أسفار . وبعير مسفر : قوي على السفر ; وأنشد ابن الأعرابي للنمر بن تولب :


                                                          أجزت إليك سهوب الفلاة     ورحلي على جمل مسفر

                                                          وناقة مسفرة ومسفار كذلك ، قال الأخطل :


                                                          ومهمه طامس تخشى غوائله     قطعته بكلوء العين مسفار

                                                          وسمى زهير البقرة مسافرة فقال :


                                                          كخنساء سفعاء الملاطين حرة     مسافرة مزءودة أم فرقد

                                                          ويقال للثور الوحشي : مسافر وأماني وناشط ; وقال :


                                                          كأنها بعدما خفت ثميلتها     مسافر أشعث الروقين مكحول

                                                          والسفر : الأثر يبقى على جلد الإنسان وغيره ، وجمعه سفور ; وقال أبو وجزة :


                                                          لقد ماحت عليك مؤبدات     يلوح لهن أنداب سفور

                                                          وفرس سافر اللحم أي قليله ; قال ابن مقبل :


                                                          لا سافر اللحم مدخول ولا هبج     كاسي العظام لطيف الكشح مهضوم



                                                          التهذيب : ويقال سافر الرجل إذا مات ; وأنشد :


                                                          زعم ابن جدعان بن عم     رو أنه يوما مسافر

                                                          والمسفرة : كبة الغزل . والسفرة ، بالضم : طعام يتخذ للمسافر ، وبه سميت سفرة الجلد . وفي حديث زيد بن حارثة قال : ذبحنا شاة فجعلناها سفرتنا أو في سفرتنا ; السفرة : طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إليه ، وسمي به كما سميت المزادة راوية وغير ذلك من الأسماء المنقولة ، فالسفرة في طعام السفر كاللهنة للطعام الذي يؤكل بكرة . وفي حديث عائشة : صنعنا لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، و لأبي بكر سفرة في جراب أي طعاما لما هاجر هو وأبو بكر ، رضي الله عنه . غيره : السفرة التي يؤكل عليها سميت سفرة لأنها تبسط إذا أكل عليها . والسفار : سفار البعير ، وهي حديدة توضع على أنف البعير فيخطم بها مكان الحكمة من أنف الفرس . وقال اللحياني : السفار والسفارة التي تكون على أنف البعير بمنزلة الحكمة ، والجمع أسفرة وسفر وسفائر ; وقد سفره : بغير ألف ، يسفره سفرا وأسفره عنه إسفارا وسفره ; التشديد عن كراع ، الليث : السفار حبل يشد طرفه على خطام البعير فيدار عليه ويجعل بقيته زماما ، قال : وربما كان السفار من حديد ; قال الأخطل :


                                                          وموقع ، أثر السفار بخطمه     من سود عقة أو بني الجوال

                                                          قال ابن بري : صوابه وموقع مخفوض على إضمار رب ; وبعده :


                                                          بكرت علي به التجار وفوقه     أحمال طيبة الرياح حلال

                                                          أي رب جمل موقع أي بظهره الدبر . والدبر : من طول ملازمة القتب ظهره أسني عليه أحمال الطيب وغيرها . و بنو عقة : من النمر بن قاسط . و بنو الجوال : من بني تغلب . وفي الحديث : فوضع يده على [ ص: 197 ] رأس البعير ثم قال : هات السفار ! فأخذه فوضعه في رأسه ; قال : السفار الزمام والحديدة التي يخطم بها البعير ليذل وينقاد ; ومنه الحديث : ابغني ثلاث رواحل مسفرات أي عليهن السفار ، وإن روي بكسر الفاء فمعناه القوية على السفر . يقال منه : أسفر البعير واستسفر . ومنه حديث الباقر : تصدق بحلال يدك وسفرها ; هو جمع السفار . وحديث ابن مسعود : قال له ابن السعدي : خرجت في السحر أسفر فرسا لي فمررت بمسجد بني حنيفة ; أراد خرج يدمنه على السير ويروضه ليقوى على السفر ، وقيل : هو من سفرت البعير إذا رعيته السفير ، وهو أسافل الزرع ، ويروى بالقاف والدال . وأسفرت الإبل في الأرض : ذهبت . وفي حديث معاذ : قال قرأت على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سفرا سفرا ، فقال : هكذا فاقرأ . جاء في الحديث : تفسيره هذا هذا . قال الحربي : إن صح فهو من السرعة والذهاب من أسفرت الإبل إذا ذهبت في الأرض ، قال : وإلا فلا أعلم وجهه . والسفر : بياض النهار ; قال ذو الرمة :


                                                          ومربوعة ربعية قد لبأتها     بكفي من دوية سفرا سفرا

                                                          يصف كمأة مربوعة أصابها الربيع . ربعية : منسوبة إلى الربيع . لبأتها : أطعمتهم إياها طرية الاجتناء كاللبا من اللبن ، وهو أبكره وأوله . وسفرا : صباحا . وسفرا : يعني مسافرين . وسفر الصبح أسفر : أضاء . وأسفر القوم أصبحوا . وأسفر . أضاء قبل الطلوع . وسفر وجهه حسنا وأسفر : أشرق . وفي التنزيل العزيز : وجوه يومئذ مسفرة قال الفراء : أي مشرقة مضيئة . وقد أسفر الوجه وأسفر الصبح . قال : وإذا ألقت المرأة نقابها قيل : سفرت فهي سافر ، بغير هاء . ومسافر الوجه : ما يظهر منه ; قال امرؤ القيس :


                                                          وأوجههم بيض المسافر غران

                                                          ولقيته سفرا وفي سفر أي عند اسفرار الشمس للغروب ; قال ابن سيده : كذلك حكي بالسين . ابن الأعرابي : السفر الفجر ; قال الأخطل :


                                                          إني أبيت وهم المرء يبعثه     من أول الليل حتى يفرج السفر

                                                          يريد الصبح ، يقول : أبيت أسري إلى انفجار الصبح . وسئل أحمد بن حنبل عن الإسفار بالفجر فقال : هو أن يصبح الفجر لا يشك فيه ، ونحو ذلك قال إسحاق وهو قول الشافعي وذويه . وروي عن عمر أنه قال : صلاة المغرب والفجاج مسفرة . قال أبو منصور : معناه أي بينة مبصرة لا تخفى . وفي الحديث : صلاة المغرب يقال لها صلاة البصر لأنها تؤدى قبل ظلمة الليل الحائلة بين الأبصار والشخوص . والسفر سفران : سفر الصبح وسفر المساء ، ويقال لبقية بياض النهار بعد مغيب الشمس : سفر لوضوحه ; ومنه قول الساجع : إذا طلعت الشعرى سفرا ، لم تر فيها مطرا ; أراد طلوعها عشاء . وسفرت المرأة وجهها إذا كشفت النقاب عن وجهها تسفر سفورا ; ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة أي كشفت ما في قلب هذا وقلب هذا لأصلح بينهم . وسفرت المرأة نقابها تسفره سفورا ، فهي سافرة : جلته . والسفير الرسول والمصلح بين القوم ، والجمع سفراء ; وقد سفر بينهم يسفر سفرا وسفارة وسفارة : أصلح . وفي حديث علي أنه قال لعثمان : إن الناس قد استسفروني بينك وبينهم أي جعلوني سفيرا ، وهو الرسول المصلح بين القوم . يقال : سفرت بين القوم إذا سعيت بينهم في الإصلاح . والسفر ، بالكسر : الكتاب ، وقيل : هو الكتاب الكبير ، وقيل : هو جزء من التوراة ، والجمع أسفار . والسفرة : الكتبة ، واحدهم سافر ، وهو بالنبطية سافرا . قال الله تعالى : بأيدي سفرة ; سفرت الكتاب أسفره سفرا . وقوله عز وجل : كمثل الحمار يحمل أسفارا ; قال الزجاج في الأسفار : الكتب الكبار واحدها سفر ، أعلم الله تعالى أن اليهود مثلهم في تركهم استعمال التوراة وما فيها كمثل الحمار يحمل عليه الكتب ، وهو لا يعرف ما فيها ولا يعيها . والسفرة : كتبة الملائكة الذين يحصون الأعمال ; وقال ابن عرفة : سميت الملائكة سفرة لأنهم يسفرون بين الله وبين أنبيائه ; وقال أبو بكر : سموا سفرة لأنهم ينزلون بوحي الله وبإذنه وما يقع به الصلاح بين الناس ، فشبهوا بالسفراء الذين يصلحون بين الرجلين فيصلح شأنهما . وفي الحديث : مثل الماهر بالقرآن مثل السفرة ; هم الملائكة جمع سافر ، والسافر في الأصل الكاتب ، سمي به لأنه يبين الشيء ويوضحه . وقال الزجاج : قيل للكاتب سافر ، وللكتاب سفر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . ويقال : أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء إضاءة لا يشك فيه ; ومنه قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ; يقول : صلوا صلاة الفجر بعدما يتبين الفجر ويظهر ظهورا لا ارتياب فيه ، وكل من نظر إليه عرف أنه الفجر الصادق . وفي الحديث : أسفروا بالفجر ; أي صلوا صلاة الفجر مسفرين ; ويقال : طولوها إلى الإسفار ; قال ابن الأثير : قالوا يحتمل أنهم حين أمرهم بتغليس صلاة الفجر في أول وقتها كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصا ورغبة ، فقال : أسفروا بها أي أخروها إلى أن يطلع الفجر الثاني وتتحققوه ، ويقوي ذلك أنه قال لبلال : نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم ، وقيل : الأمر بالإسفار خاص في الليالي المقمرة لأن أول الصبح لا يتبين فيها فأمروا بالإسفار احتياطا ; ومنه حديث عمر : صلوا المغرب والفجاج مسفرة أي بينة مضيئة لا تخفى . وفي حديث علقمة الثقفي : كان يأتينا بلال يفطرنا ونحن مسفرون جدا ; ومنه قولهم : سفرت المرأة . وفي التنزيل العزيز : بأيدي سفرة كرام بررة ; قال المفسرون : السفرة يعني الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم ، واحدهم سافر مثل كاتب وكتبة ; قال أبو إسحاق : واعتباره بقوله : كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ; وقول أبي صخر الهذلي :


                                                          لليلى بذات البين دار عرفتها     وأخرى بذات الجيش آياتها سفر

                                                          قال السكري : درست فصارت رسومها أغفالا . قال ابن جني : ينبغي أن يكون السفر من قولهم سفرت البيت أي كنسته فكأنه من [ ص: 198 ] كنست الكتابة من الطرس . وفي الحديث : أن عمر ، رضي الله عنه : دخل على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو أمرت بهذا البيت فسفر ; قال الأصمعي : أي كنس . والسافرة : أمة من الروم . وفي حديث سعيد بن المسيب : لولا أصوات السافرة لسمعتم وجبة الشمس ; قال : والسافرة أمة من الروم ، كذا جاء متصلا بالحديث ، ووجبة الشمس وقوعها إذا غربت . وسفار : اسم ماء مؤنثة معرفة مبنية على الكسر : الجوهري : وسفار مثل قطام اسم بئر ; قال الفرزدق :


                                                          متى ما ترد يوما سفار تجد بها     أديهم يرمي المستحيز المعورا

                                                          و سفيرة : هضبة معروفة ; قال زهير :


                                                          بكتنا أرضنا لما ظعنا      . . . . سفيرة والغيام



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية