الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 384 ] آ . (124) قوله تعالى : إذ تقول : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن هذا الظرف بدل من قوله : " إذ همت " . الثاني : أنه منصوب بـ " نصركم " . الثالث : أنه منصوب بإضمار "اذكر " ، وهل هذه الجملة من تمام قصة بدر - وهو قول الجمهور - فلا اعتراض في هذا الكلام ، أو من تمام أحد ، فيكون قوله ولقد نصركم الله معترضا بين الكلامين ؟ خلاف مشهور .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن يمدكم فاعل " ألن يكفيكم " أي : ألن يكفيكم إمداد ربكم . والهمزة لما دخلت على النفي قررته على سبيل الإنكار ، وجيء بـ "لن " دون "لا " لأنها أبلغ في النفي . وفي مصحف أبي : "ألا " بـ "لا " دون "لن " كأنه قصد تفسير المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      و "بثلاثة " متعلق بـ "يمدكم " . وقرأ الحسن البصري : "ثلاثه آلاف " بهاء في الوصل ساكنة . وكذلك "بخمسه آلاف " كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهي ضعيفة لكونها في متضايفين يقتضيان الاتصال . قال ابن عطية : "ووجه هذه القراءة ضعيف ، لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فيقتضيان الاتصال والثاني كمال الأول ، والهاء إنما هي أمارة وقف فيقلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال ، لكن جاء نحو هذا في مواضع للعرب ، فمن ذلك ما حكاه الفراء من قولهم : " أكلت لحما شاة "يريدون : " لحم شاة "فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف كما قالوا في الوقف : " قالا "يريدون " قال " ، ثم يمطلون الفتحة في القوافي ونحوها من مواضع الروية والتثبت ، ومن ذلك في الشعر قوله :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 385 ]

                                                                                                                                                                                                                                      1422 - ينباع من ذفرى غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المكدم



                                                                                                                                                                                                                                      يريد : " ينبع "فمطل ، ومثله قول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1423 - أقول إذ خرت على الكلكال     يا ناقتي ما جلت من مجال



                                                                                                                                                                                                                                      يريد " الكلكل "فمطل ، ومثله قول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1424 - فأنت من الغوائل حين ترمى     ومن ذم الرجال بمنتزاح



                                                                                                                                                                                                                                      يريد : بمنتزح . قال أبو الفتح : " فإذا جاز أن يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة الواحدة جاز التمادي بين المضاف والمضاف إليه إذ هما اثنان " . قال الشيخ - بعد كلام ابن عطية - : " وهو تكثير وتنظير بغير ما يناسب ، والذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذة أنها من إجراء الوصل مجرى الوقف ، أبدلها [هاء ] في الوصل كما أبدلوها في الوقف ، وموجود في كلامهم إجراء الوصل مجرى الوقف ، وإجراء الوقف مجرى الوصل . وأما قوله : "لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع " وجميع ما ذكر إنما هو من باب إشباع الحركة ، وإشباع الحركة ليس نحو إبدال التاء هاء في الوصل ، وإنما نظير هذا قولهم : "ثلثه اربعة " أبدل التاء هاء ، ونقل حركة همزة "أربعة " إليها ، [ ص: 386 ] وحذف الهمزة ، فأجرى الوصل مجرى الوقف في الإبدال وأجرى الوصل مجرى الوقف ، إذا النقل لا يكون إلا في الوصل " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ شاذا أيضا : "بثلاثة " بتاء ساكنة وهي أيضا من إجراء الوصل مجرى الوقف من حيث السكون . واختلف في هذه التاء الموقوف عليها الآن : أهي تاء التأنيث التي كانت فسكنت فقط ، أو هي بدل من هاء التأنيث المبدلة من التاء ؟ وهو خلاف لا طائل تحته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : من الملائكة يجوز أن تكون "من " للبيان ، وأن تكون "من " ومجرورها في موضع الجر صفة لـ "ثلاثة " أو لـ "آلاف " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : منزلين صفة لثلاثة آلاف ، ويجوز أن تكون حالا من "الملائكة " والأول أظهر . وقرأ ابن عامر : "منزلين " بالتضعيف ، وكذلك شدد قوله في سورة العنكبوت : إنا منزلون على أهل هذه القرية ، إلا أنه هنا اسم مفعول وهناك اسم فاعل . والباقون خففوهما . وقرأ ابن أبي عبلة هنا : "منزلين " بالتشديد مكسور الزاي مبنيا للفاعل . وبعضهم قرأه كذلك إلا أنه خفف الزاي ، جعله من أنزل كأكرم ، والتضعيف والهمزة كلاهما للتعدية ، ففعل وأفعل بمعنى ، وقد تقدم أن الزمخشري يجعل التشديد دالا على التنجيم ، وتقدم البحث معه في ذلك . وفي القراءتين الأخيرتين يكون المفعول محذوفا أي : منزلين النصر على المؤمنين والعذاب على الكافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : "بلى " حرف جواب وهو إيجاب للنفي في قوله تعالى : ألن يكفيكم وقد تقدم الكلام عليه مشبعا . وجواب الشرط قوله : "يمددكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 387 ] والفور : العجلة والسرعة ومنه : "فارت القدر " اشتد غليانها وسارع ما فيها إلى الخروج ، يقال : فار يفور فورا ، ويعبر به عن الغضب والحدة ؛ لأن الغضبان يسارع إلى البطش بمن يغضب عليه ، فالفور في الأصل مصدر ثم يعبر به عن الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج عن شيء سواها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية