الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع

                                                                                                                                                                                                        2006 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع [ ص: 390 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 390 ] قوله : ( باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع ) أي : وقبل التفرق ( فقد وجب البيع ) أي : وإن لم يتفرقا . أورد فيه حديث ابن عمر من طريق الليث عن نافع بلفظ : " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا " ، أي : فينقطع الخيار ، وقوله : " وكانا جميعا " تأكيد لذلك ، وقوله : " أو يخير أحدهما الآخر " أي : فينقطع الخيار ، وقوله : " فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع " أي : وبطل الخيار ، وقوله : " وإن تفرقا بعد أن تبايعا ، ولم يترك أحد منهما البيع " أي : لم يفسخه " فقد وجب البيع " أي : بعد التفرق ، وهذا ظاهر جدا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما ، قال الخطابي : هذا أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس ، وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث ، وكذلك قوله في آخره : " وإن تفرقا بعد أن تبايعا " ، فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ، ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة . انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وقد أقدم الداودي على رد هذا الحديث المتفق على صحته بما لا يقبل منه فقال : قول الليث في هذا الحديث : " وكانا جميعا إلخ " ليس بمحفوظ ؛ لأن مقام الليث في نافع ليس كمقام مالك ونظراته . انتهى . وهو رد لما اتفق الأئمة على ثبوته بغير مستند ، وأي لوم على من روى الحديث مفسرا لأحد محتملاته حافظا من ذلك ما لم يحفظه غيره مع وقوع تعدد المجلس ، فهو محمول على أن شيخهم حدثهم به تارة مفسرا وتارة مختصرا ، وقد اختلف العلماء في المراد بقوله في حديث مالك : " إلا بيع الخيار " فقال الجمهور : وبه جزم الشافعي : هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق ، والمراد أنهما إن اختارا إمضاء البيع قبل التفرق لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق ، فالتقدير إلا البيع الذي جرى فيه التخاير . قال النووي : اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل وأبطل كثير منهم ما سواه وغلطوا قائله . انتهى . ورواية الليث ظاهرة جدا في ترجيحه ، وقيل : هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق ، وقيل : المراد بقوله : " أو يفرق أحدهما الآخر " أي : فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ، ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار ، وتعينه رواية النسائي من طريق إسماعيل - قيل : هو ابن أمية وقيل : غيره - عن نافع بلفظ : " إلا أن يكون البيع كان عن خيار " فإن كان البيع عن خيار وجب البيع ، وقيل : هو استثناء من إثبات خيار المجلس ، والمعنى أو يخير أحدهما الآخر فيختار في خيار المجلس فينتفي الخيار . وهذا أضعف هذه الاحتمالات ، وقيل : قوله : " إلا أن يكون بيع خيار " أي : هما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ، ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ، ولو بعد التفرق ، وهو قول يجمع التأويلين الأولين ، ويؤيده رواية عبد الرزاق عن [ ص: 391 ] سفيان في حديث الباب الذي يليه حيث قال فيه : " إلا بيع الخيار أو يقول لصاحبه اختر " إن حملنا " أو " على التقسيم لا على الشك .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قوله : " أو يخير أحدهما الآخر " بإسكان الراء من " يخير " عطفا على قوله : " ما لم يتفرقا " ويحتمل نصب الراء على أن " أو " بمعنى " إلا أن " كما تقدم قريبا مثله في قوله : " أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية