الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهن عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          12 - باب ما جاء في تركة النبي ، صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          " تركة " ، بفتح التاء ، وكسر الراء ، وتخفف بكسر الأول ، وسكون الراء مثل كلمة وكلمة ، ما خلفه الميت ، والجمع تركات .

                                                                                                          [ ص: 657 ]

                                                                                                          1870 1823 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم الزهري ، ( عن عروة بن الزبير عن عائشة - أم المؤمنين - ) وهل يقال لهن أيضا : أم المؤمنات ، أم لا ؟ قولان مرجحان : ( أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ) اللاتي مات عنهن ( حين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق ، فيسألنه ميراثهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، وهو الثمن عملا بعموم آية المواريث .

                                                                                                          ( فقالت لهن عائشة : أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي رواية البخاري عن شعيب عن الزهري ، عن عروة عن عائشة : فقلت لهن : ألا تتقين الله ، ألم تعلمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( لا نورث ) - بضم النون ، وفتح الراء - مخففة ، وعند النسائي عن الزهري مرفوعا : " إنا معاشر الأنبياء لا نورث‌ " ، ( ما تركنا فهو صدقة ) بالرفع قطعا خبر لقوله : فهو ، والجملة خبر ما تركنا ، وهذا يؤيد الرواية في حديث أبي بكر الصديق : " ما تركنا " صدقة ، بإسقاط : " فهو " برفع " صدقة " ، كما توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا ، الكلام جملتان : الأولى فعلية ، والثانية اسمية ، وادعى بعض الرافضة أن الصواب قراءة : لا " يورث " بتحتية أوله ، ونصب " صدقة " على الحال ، وهو خلاف الرواية ، وقد احتج بعض المحدثين على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج به على فاطمة ، وهما من أفصح الفصحاء ، وأعلم بمدلولات الألفاظ ، فلو كان الأمر كما يقول الروافض ، لم يكن فيما احتج به أبو بكر حجة ، ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها ، وهذا واضح لمن أنصف كما في فتح الباري ، وقال في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب : إن الحديث لم يوجد بلفظ : نحن معاشر الأنبياء ، ووجد بلفظ : إنا ، ومفادهما واحد ، فلعل من ذكره بلفظ : نحن ، ذكره بالمعنى ، وهو في الصحيحين والسنن الثلاثة عن الصديق بلفظ : " لا نورث ، ما تركناه صدقة " ، انتهى .

                                                                                                          وذهب النحاس إلى صحة نصب " صدقة " على الحال ، وأنكره عياض لتأييده مذهب الإمامية ، لكن قدره ابن مالك : ما تركنا متروك صدقة ، فحذف الخبر ، وبقي الحال كالعوض منه ، ونظيره قراءة بعضهم " ونحن عصبة " بالنصب ، انتهى . وفيه نظر لأنه لم يرو بالنصب حتى يتعسف له هذا التوجيه ، ولأنه لم يتعين حذف الخبر ، بل يحتمل ما قاله الإمامية ، ولذا أنكره عياض ، وإن صح في نفسه ، والحكمة في أنهم - عليهم الصلاة والسلام - لا يورثون ، أنهم لو ورثوا لظن أن لهم رغبة في الدنيا لوارثهم [ ص: 658 ] فيهلك الظان ، أو لأنهم أحياء ، أو لئلا يتمنى ورثتهم موتهم فيهلكون ، أو لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالأب لأمته ، فيكون ميراثه للجميع ، وهو معنى الصدقة العامة .

                                                                                                          وأما قوله تعالى : ( وورث سليمان داود ) ( سورة النمل : الآية 16 ) ، وقوله عن زكريا : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) ( سورة مريم : الآية 5 ، 6 ) ، فالمراد بذلك وراثة العلم والنبوة .

                                                                                                          وزعم بعضهم أن خوف زكريا من مواليه كان على ماله ; لأنه لا يخاف على النبوة ، لأنها فضل من الله تعالى يعطيها من شاء ، فلزم أنه يورث ، متعقب بأن خوفه منهم لاحتمال سرعتهم من جهة تغيير أحكام شرعه ، فطلب ولدا يرث نبوته ليحفظها .

                                                                                                          قال الباجي : أجمع أهل السنة على أن هذا حكم جميع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - .

                                                                                                          وقال ابن علية : إن ذلك لنبينا خاصة .

                                                                                                          وقالت الإمامية : جميع الأنبياء يورثون ، وتعلقوا في ذلك بأنواع من التخليط لا شبهة فيها مع ورود هذا النص ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الفرائض ، ومسلم عن القعنبي ، ومسلم في المغازي عن يحيى كلاهما عن مالك به ، وأبو داود في الخراج ، والنسائي في الفرائض .




                                                                                                          الخدمات العلمية