الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين استئناف مقرر للوعيد، وتصديره بالقسم لغاية الاعتناء بتحقيق مضمونه، أي وبالله لقد سبق وعدنا لهم بالنصرة والغلبة، وهو قوله تعالى: إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فيكون تفسيرا، أو بدلا من كلمتنا وجوز أن يكون مستأنفا، والوعد ما في محل آخر من قوله تعالى: لأغلبن أنا ورسلي ، والأول أظهر، والمراد بالجند اتباع المرسلين، وأضافهم [ ص: 156 ] إليه تعالى تشريفا لهم وتنويها بهم، وقال بعض الأجلة: هو تعميم بعد تخصيص، وفيه من التأكيد ما فيه، والمراد عند السدي بالنصرة والغلبة ما كان بالحجة، وقال الحسن : المراد النصرة والغلبة في الحرب، فإنه لم يقتل نبي من الأنبياء في الحرب، وإنما قتل من قتل منهم غيلة، أو على وجه آخر في غير الحرب، وإن مات نبي قبل النصرة أو قتل فقد أجرى الله تعالى أن ينصر قومه من بعده، فيكون في نصرة قومه نصرة له، وقريب منه ما قيل: إن القصرين باعتبار عاقبة الحال، وملاحظة المآل، وقال ناصر الدين: هما باعتبار الغالب، والمقضي بالذات، لأن الخير هو مراده تعالى بالذات، وغيره مقضي بالتبع، لحكمة وغرض آخر، أو للاستحقاق بما صدر من العباد، ولذا قيل: بيده الخير، ولم يذكر الشر، مع أن الكل من عنده عز وجل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة، وظاهر السياق يقتضي أن ذلك في الدنيا، وأنه بطريق القهر والاستيلاء، والنيل من الأعداء، إما بقتلهم، أو تشريدهم، أو إجلائهم عن أوطانهم، أو استئسارهم، أو نحو ذلك، والجملتان دالتان على الثبات والاستمرار، فلا بد من أن يقال: إن استمرار ذلك عرفي، وقيل: هو على ظاهره، واستمرار الغلبة للجند مشروط بما تشعر به الإضافة فلا يغلب اتباع المرسلين في حرب إلا لإخلالهم بما تشعر به بميل ما إلى الدنيا، أو ضعف التوكل عليه تعالى، أو نحو ذلك، ويكفي في نصرة المرسلين إعلاء كلمتهم وتعجيز الخلق عن معارضتهم، وحفظهم من القتل في الحروب، ومن الفرار فيها، ولو عظمت هنالك الكروب فافهم، ولا يخفى وجه التعبير (بمنصورون) مع المرسلين، (وبالغالبون) مع الجند، فلا تغفل، وسمى الله - عز وجل - وعده بذلك كلمة، وهي كلمات، لأنها لما اجتمعت وتضامت وارتبطت غاية الارتباط صارت في حكم شيء واحد، فيكون ذلك من باب الاستعارة، والمشهور أن إطلاق الكلمة على الكلام مجاز مرسل من إطلاق الجزء على الكل، وقال بعض العلماء: إنه حقيقة لغوية، واختصاص الكلمة بالمفرد اصطلاح لأهل العربية، فعليه لا يحتاج إلى التأويل، وقرأ الضحاك "كلماتنا" بالجمع، ويجوز أن يراد عليها وعودنا فتفطن، وفي قراءة ابن مسعود "على عبادنا" على تضمين "سبقت" معنى حقت،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية