الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التعفف عن المسألة

                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه [ ص: 758 ] فأعطاهم حتى نفد ما عنده ثم قال ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2 - باب ما جاء في التعفف عن المسألة

                                                                                                          أي في كل شيء غير المصالح الدينية .

                                                                                                          1880 1833 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم ( عن عطاء بن يزيد ) - بتحتية فزاي - [ ص: 671 ] ( الليثي ) بمثلثة من أنفسهم ، وقيل : مولاهم ( المدني ) نزيل الشام من الثقات ، مات بالمدينة سنة خمس أو سبع ومائة ، وقد جاوز الثمانين ( عن أبي سعيد الخدري أن أناسا ) - بضم الهمزة - ( من الأنصار ) قال الحافظ : لم يتعين لي أسماؤهم إلا أن في النسائي ما يدل على أن أبا سعيد الراوي منهم ، وللطبراني عن حكيم بن حزام : أنه خوطب ببعض ذلك ، لكنه ليس أنصاريا إلا بالمعنى الأعم ، ( سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم ، ثم سألوه ) ثانيا ( فأعطاهم حتى نفد ) بكسر الفاء ودال مهملة ، أي فرغ ( ما عنده ، ثم قال : ما يكون عندي من خير ) ما موصولة متضمنة معنى الشرط ، وجوابه ، ( فلن أدخره عنكم ) بتشديد المهملة ، أي لن أجعله دخيرة لغيركم ، أو لن أحبسه ، وأخبأه وأمنعه إياه ، ( ومن يستعفف ) بفاءين ، أي يطلب العفة عن السؤال ( يعفه الله ) ، بنصب الفاء ، أي يصونه عن ذلك ، أو يرزقه العفة ، أي الكف عن الحرام ، ( ومن يستغن ) يظهر الغنى بما عنده من اليسير عن المسألة ( يغنه الله ) ، أي يمده بالغنى من فضله .

                                                                                                          ( ومن يتصبر ) يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا ، ( يصبره الله ) : يرزقه الله الصبر ، ويعينه عليه ، ويوفقه له ، ( وما أعطي ) ، بضم الهمزة مبني للمفعول ( أحد ) نائبه ( عطاء ) ، نصب مفعول ثان لأعطي ، ( هو خير وأوسع من الصبر ) ، لجمعه مكارم الأخلاق ، ولأنه كما قال الباجي : أمر يدوم له الغنى به لا يفنى ، ومع عدمه لا يدوم له الغنى وإن كثر ، وربما يغنى ، ويمتد الأمل إلى أكثر منه مع عدم الصبر .

                                                                                                          وقال الطيبي : يريد أن من طلب من نفسه العفة عن السؤال ، ولم يظهر الاستغناء يعفه الله ، أي يصيره عفيفا ، ومن ترقى عن هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من إظهار الاستغناء عن الخلق ، لكن إن أعطي شيئا لم يرده ، يملأ الله قلبه غنى ، ومن فاز بالقدح المعلى وتصبر ، ولم يسأل وإن أعطي لم يقبل ، فهذا هو الصبر الجامع لمكارم الأخلاق ، انتهى .

                                                                                                          وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من السخاء ، وإنفاذ أمر الله ، وإعطاء السائل مرتين ، والاعتذار إلى السائل ، والحض على التعفف ، وجواز السؤال للحاجة ، وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه بلا مسألة .

                                                                                                          وأخرجه الشيخان في الزكاة ، والبخاري عن عبد الله بن يوسف ، ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية