الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الله يستهزئ بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      اختلف العلماء في المراد باستهزاء الله بهم على تسعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار ، فيسرعون إليه فيغلق ، ثم يفتح لهم باب آخر ، فيسرعون فيغلق ، فيضحك منهم المؤمنون . روي عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه إذا كان يوم القيامة جمدت النار لهم كما تجمد الإهالة في القدر ، فيمشون فتنخسف بهم . روي عن الحسن البصري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن الاستهزاء بهم: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب ، فيبقون في الظلمة ، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [ الحديد: 13 ] قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 36 ] والرابع: أن المراد به: يجازيهم على استهزائهم ، فقوبل اللفظ بمثله لفظا وإن خالفه معنى ، فهو كقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [ الشورى:40 ] وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ البقرة: 194 ] وقال عمرو بن كلثوم:


                                                                                                                                                                                                                                      ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: فنعاقبه بأغلظ من عقوبته .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن الاستهزاء من الله التخطئة لهم ، والتجهيل ، فمعناه: الله يخطئ فعلهم ، ويجهلهم في الإقامة على كفرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس: أن استهزاءه: استدراجه إياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع أنه إيقاع استهزائهم بهم ، ورد خداعهم ومكرهم عليهم . ذكر هذه الأقوال محمد بن القاسم الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامن: أن الاستهزاء بهم أن يقال لأحدهم في النار وهو في غاية الذل: ذق إنك أنت العزيز الكريم [ الدخان: 49 ] ذكره شيخنا في كتابه .

                                                                                                                                                                                                                                      والتاسع: أنه لما أظهروا من أحكام إسلامهم في الدنيا خلاف ما أبطن لهم في الآخرة ، كان كالاستهزاء بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية