الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              كتاب المياه

                                                                                                                                                                              بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                              قال الله جل ثناؤه: ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) إلى قوله: ( فلم تجدوا ماء ) الآية.

                                                                                                                                                                              وقال تعالى: ( وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) وقال: ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) . وقال: ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء ) الآية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قال الشافعي بعد أن ذكر قوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) الآية: فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان الله تعالى في الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب [ بالآية ] أن الماء ما خلق الله مما [ ص: 352 ] لا صنعة فيه للآدميين، وذكر الماء عاما، فكان ماء الأنهار ، وماء السماء، والآبار، والقلات، والبحار، العذب من جميعه، والأجاج سواء في [ أنه يطهر ] من توضأ به أو اغتسل به.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أما جمل المياه التي ذكرها الشافعي، فلا اختلاف بين كل من أحفظ عنه، ولقيته من أهل العلم، أن التطهر به يجزي إلا ماء البحر، فإن فيه اختلافا وأخبارا عن بعض المتقدمين.

                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الوضوء بماء البحر

                                                                                                                                                                              ثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في ماء البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" .

                                                                                                                                                                              157 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أن ابن وهب أخبرهم قال: أخبرني مالك.

                                                                                                                                                                              وأخبرنا الربيع، أنا الشافعي، أنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، أن المغيرة بن أبي بردة، أخبره، أنه سمع أبا هريرة، يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال [ ص: 353 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته".

                                                                                                                                                                              وممن روينا عنه أنه قال: ماء البحر طهور: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعقبة بن عامر.

                                                                                                                                                                              158 - أخبرنا حاتم بن منصور، أن الحميدي، حدثهم قال : نا عبد الله بن رجاء، ومحمد بن عبيد، وأبو ضمرة عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل، قال: قال أبو بكر في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" .

                                                                                                                                                                              159 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن التيمي، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، أن عمر، سئل عن ماء البحر؟ فقال: "وأي ماء أطهر من ماء البحر" .

                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                              160 - حدثنا علي بن عبد العزيز، نا حجاج، نا حماد، عن قتادة، عن موسى بن سلمة، وأبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، أنه قال: "ماء البحر طهور" .

                                                                                                                                                                              161 - حدثنا علي بن عبد العزيز، نا أبو عبيد، نا أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن عقبة بن عامر، أنه قال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" .

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء، وطاوس، والحسن، وهو قول مالك ، وأهل المدينة، والثوري، وأهل الكوفة، والأوزاعي، وأهل الشام، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، [ ص: 355 ] وبه نقول: لظاهر نص الكتاب، وهو قوله ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) ، وماء البحر من المياه داخل في جملة قوله: ( فلم تجدوا ماء ) ، وللثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته". وللرواية التي رويناها عن أبي بكر وعمر، وهو قول عوام أهل العلم.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن [ عمر ] وعبد الله بن عمرو غير ذلك، وروينا عن ابن عمر أنه قال: في الوضوء من ماء البحر: التيمم أحب إلي منه.

                                                                                                                                                                              وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: إن تحت بحركم هذا نارا، وتحت النار بحر، وتحت البحر نارا، وتحت النار بحر، حتى عد سبعة أبحر وسبعة أنور، لا يجزي منه الوضوء، ولا الغسل من الجنابة، والتيمم أعجب إلي.

                                                                                                                                                                              162 - حدثنا يحيى بن محمد، نا الحجبي، نا خالد بن الحارث، نا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، عن ابن عمر: في الوضوء من ماء البحر، "التيمم أعجب إلي منه" .

                                                                                                                                                                              163 - حدثنا موسى بن هارون، نا هدبة، عن همام، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكر نحوا [ ص: 356 ] مما تقدم عنه.

                                                                                                                                                                              وروينا عن سعيد بن المسيب، أنه قال: إذا ألجئت إلى البحر، فتوضأ منه.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر، وفي قوله ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) دليل على طهارة ماء البحر.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية