الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      الصيام في السفر قال ابن القاسم ، قال مالك : الصيام في رمضان في السفر أحب إلي لمن قوي عليه ، قال : فقلت لمالك : فلو أن رجلا أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر متعمدا من غير علة ماذا عليه ؟ قال : القضاء مع الكفارة مثل من أفطر في الحضر .

                                                                                                                                                                                      قال : وسألت مالكا عن هذا غير مرة ولا عام ، فكل ذلك يقول لي عليه الكفارة وذلك أني رأيته أو قاله لي ، إنما كانت له السعة في أن يفطر أو يصوم فإذا صام فليس له أن يخرج منه إلا بعذر من الله ، فإن أفطر متعمدا كانت عليه الكفارة مع القضاء . قال فقلت لمالك : فلو أن رجلا أصبح في حضر رمضان صائما ثم سافر فأفطر ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ليس عليه إلا قضاء يوم ولا أحب أن يفطر ، فإن أفطر فليس عليه إلا قضاء يوم .

                                                                                                                                                                                      قلت : ما الفرق بين هذا الذي صام في السفر ثم أفطر وبين هذا الذي صام في الحضر ثم سافر من يومه ذلك فأفطره عند مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال قال لنا مالك : أو فسر لنا عنه ; لأن الحاضر كان من أهل الصوم فخرج مسافرا فصار من أهل الفطر ، فمن ههنا سقطت عنه الكفارة ولأن المسافر كان مخيرا في أن يفطر وفي أن يصوم فلما اختار الصيام وترك الرخصة صار من أهل الصيام ، فإن أفطر فعليه ما على أهل الصيام من الكفارة ، وقد قال المخزومي وابن كنانة وأشهب في الذي يكون في سفر في رمضان ثم يفطر : إن عليه القضاء ولا كفارة عليه ، إلا أن أشهب قال : إن تأول أن له الفطر ; لأن الله قد وضع عنه الصيام .

                                                                                                                                                                                      قال أشهب : وإن أصبح صائما في السفر ثم دخل على أهله نهارا فأفطر ، فعليه القضاء والكفارة ولا يعذر أحد في هذا . وقال المخزومي : رأى ابن كنانة فيمن أصبح في الحضر صائما ثم خرج إلى السفر فأفطر يومه ذلك : إن عليه القضاء والكفارة ; لأن الصوم وجب عليه في الحضر ، وقد روى أشهب حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أفطر وهو بالكديد حين قيل له إن الناس قد أصابهم العطش .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : فقلت لمالك : لو أن رجلا أصبح صائما متطوعا ثم سافر فأفطر أعليه قضاء ذلك اليوم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قال : فقلت : فإن غلبه مرض أو حر أو عطش أو أمر اضطره إلى [ ص: 273 ] الفطر من غير أن يقطعه متعمدا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ليس عليه إذا كان هكذا قضاء . وقال : من صام في السفر في رمضان فأصابه أمر يقطعه عن صومه فليس عليه إلا القضاء ، ومن أصبح صائما في السفر متطوعا فأصابه مرض ألجأه إلى الفطر فلا قضاء عليه ، وإن أفطره متعمدا فعليه القضاء .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت من أصبح مسافرا ينوي الفطر في رمضان ثم دخل بيته قبل طلوع الشمس فنوى الصيام ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يجزئه .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهو قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : إذا علم أنه يدخل بيته من سفره في أول النهار فليصبح صائما وإن لم يصبح صائما أصبح ينوي الإفطار ثم دخل بيته وهو مفطر فلا يجزئه الصوم وإن نواه ، وعليه قضاء هذا اليوم .

                                                                                                                                                                                      قلت : هل كان مالك يكره لهذا أن يأكل في بقية يومه هذا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يكره له أن يأكل في بقية يومه هذا قال : وقال مالك : من دخل من سفره وهو مفطر في رمضان فلا بأس عليه أن يأكل في بقية يومه .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : أرأيت من أصبح في بيته وهو يريد السفر في يومه ذلك فأصبح صائما ، ثم خرج مسافرا فأكل وشرب في السفر ؟

                                                                                                                                                                                      قال قال مالك : إذا أصبح في بيته فلا يفطر يومه ذلك وإن كان يريد السفر ; لأن من أصبح في بيته قبل أن يسافر وإن كان يريد السفر من يومه فليس ينبغي له أن يفطر .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : بلغني أن عمر بن الخطاب : كان إذا علم أنه داخل المدينة من أول يومه وكان في سفر صام فدخل وهو صائم .

                                                                                                                                                                                      ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه أقبل في رمضان حتى إذا كان بالروحاء فقال لأصحابه : ما أرانا إلا مصبحي المدينة بالغداة وأنا صائم غدا فمن شاء منكم أن يصوم صام ومن شاء أفطر .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أفطر بعدما خرج ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : عليه القضاء ولا كفارة عليه . ابن وهب ، وأخبرني الحارث بن نبهان عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال : وإن كانوا ليرون أن من صام أفضل .

                                                                                                                                                                                      قال أنس : ثم غزونا حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له ظهر أو فضل فليصم } . ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح { عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، أنه قال : يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه } . ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر . }

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية