الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سقي ]

                                                          سقي : السقي : معروف والاسم السقيا ، بالضم ، وسقاه الله الغيث أسقاه . وقد جمعهما لبيد في قوله :


                                                          سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال

                                                          ويقال : سقيته لشفته ، وأسقيته لماشيته ، وأرضه ، والاسم السقي ، بالكسر ، والجمع الأسقية . قال أبو ذؤيب يصف مشتار عسل :


                                                          فجاء بمزج لم ير الناس مثله     هو الضحك إلا أنه عمل النحل
                                                          يمانية أجبى لها مظ مائد     وآل قراس صوب أسقية كحل

                                                          قال الجوهري : هذا قول الأصمعي ، ويرويه أبو عبيدة :


                                                          صوب أرمية كحل

                                                          وهما بمعنى ، قال ابن بري : والمزج العسل والضحك الثغر ، شبه العسل به في بياضه ، ويمانية يريد به العسل ، والمظ رمان البر ، والأسقية جمع سقي وهي السحابة ، وكحل : سود أي سحائب سود ، يقول : أجبى نبت هذا الموضع صوب هذه السحائب . ابن سيده : سقاه سقيا وسقاه وأسقاه ، وقيل : سقاه بالشفة وأسقاه : دله على موضع الماء ، سيبويه : سقاه أسقاه جعل له ماء أو سقيا فسقاه ككساه ، وأسقى كألبس . أبو الحسن يذهب إلى التسوية بين فعلت وأفعلت ، وأن أفعلت غير منقولة من فعلت لضرب من المعاني كنقل أدخلت . والسقي : مصدر سقيت سقيا ، وفي الدعاء سقيا له ورعيا ! وسقاه ورعاه : قال له : سقيا ورعيا . وسقيت فلانا وأسقيته إذا قلت له سقاك الله ! قال ذو الرمة :


                                                          وقفت على ربع لمية ناقتي     فما زلت أسقي ربعها وأخاطبه
                                                          وأسقيه حتى كاد مما أبثه     تكلمني أحجاره وملاعبه

                                                          قال ابن بري : والمعروف في شعره :


                                                          فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

                                                          والسقي : ما أسقاه إياه . والسقي : الحظ من الشرب . يقال : كم سقي أرضك أي كم حظها من الشرب ؟ وأنشد أبو عبيد لعبد الله بن رواحة :


                                                          هنالك لا أبالي نخل سقي [ ص: 212 ]     ولا بعل وإن عظم الإتاء

                                                          ويقال : سقي وسقي ، فالسقي ، بالفتح الفعل ، والسقي ، بالكسر ، الشرب ، وقد أسقاه على ركيته . وأسقاه نهرا : جعله له سقيا . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أن رجلا من بني تميم قال له : يا أمير المؤمنين أسقني شبكة على ظهر جلال ، الشبكة : بئار مجتمعة ، أي اجعلها لي سقيا وأقطعنيها تكون لي خاصة . التهذيب : وأسقيت فلانا ركيتي إذا جعلتها له ، وأسقيته جدولا من نهري إذا جعلت له منه مسقى وأشعبت له منه . وسقيته الماء شدد للكثرة . وتساقى القوم : سقى كل واحد صاحبه بجمام الإناء الذي يسقيان فيه ; قال طرفة بن العبد :


                                                          وتساقى القوم كأسا مرة     وعلى الخيل دماء كالشقر

                                                          وقول المتنخل الهذلي :


                                                          مجدل يتسقى جلده دمه     كما تقطر جذع الدومة القطل

                                                          أي يتشربه ، ويروى : يتكسى من الكسوة ; قال ابن بري : صواب إنشاده مجدلا لأن قبله :


                                                          التارك القرن مصفرا أنامله     كأنه من عقار قهوة ثمل

                                                          وفي الحديث : أعجلتهم أن يشربوا سقيهم ; هو ، بالكسر ، اسم للشيء المستقى ، والمسقاة والمسقاة والسقاية : موضع السقي . وفي حديث عثمان : أبلغت الراتع مسقاته ; المسقاة ، بالفتح : موضع الشرب ، وقيل : هو ، بالكسر ، آلة الشرب ، والميم زائدة ; قال ابن الأثير : أراد أنه جمع له بين الأكل والشرب ، ضربه مثلا لرفقه برعيته ، ولأن لهم في السياسة كمن خلى المال يرعى حيث شاء ثم يبلغه الورد في رفق ، ومن كسر الميم جعلها كالآلة التي هي مسقاة الديك . والمسقى : وقت السقي . والمسقاة : ما يتخذ للجراد والكيزان تعلق عليه . والساقة من سواقي الزرع : نهير صغير . الأصمعي : السقي والرمي على فعيل سحابتان عظيمتا القطر شديدتا الوقع ، والجمع أسقية . والسقاية : الإناء يسقى به . وقال ثعلب : السقاية هو الصاع والصواع بعينه . والسقاية : الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها ، والسقاية في القرآن الصواع الذي كان يشرب فيه الملك وهو قوله تعالى : فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ; وكان إناء من فضة كانوا يكيلون الطعام به . ويقال للبيت الذي يتخذ مجمعا للماء ويسقى منه الناس : السقاية . وسقاية الحاج سقيهم الشراب ، وفي حديث معاوية : أنه باع سقاية من ذهب بأكثر من وزنها ، والسقاية : إناء يشرب فيه . وسقاية الماء معروفة ، وقال الفراء : في قوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه ; وقال : في موضع آخر : ونسقيه مما خلقنا أنعاما ; العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام ومن السماء أو نهر يجري لقوم أسقيت ، فإذا سقاك ماء لشفتك قالوا سقاه ولم يقولوا أسقاه كما قال تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا ; وقال : والذي هو يطعمني ويسقين ; وربما قالوا لما في بطون الأنعام ولماء السماء سقى وأسقى كما قال لبيد :


                                                          سقى قومي بني مجد وأسقى     نميرا والقبائل من هلال

                                                          وقال الليث : الإسقاء من قولك أسقيت فلانا نهرا أو ماء إذا جعلت له سقيا . وفي القرآن : ونسقيه مما خلقنا أنعاما ; من سقى ونسقيه من أسقى ، وهما لغتان بمعنى واحد . أبو زيد : اللهم أسقنا إسقاء إرواء . وفي الحديث : كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت ، هي ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء ، وكان يليها العباس بن عبد المطلب في الجاهلية والإسلام . وفي الحديث : أنه تفل في فم عبد الله بن عامر وقال : أرجو أن تكون سقاء أي لا تعطش . والسقاء : جلد السخلة إذا أجذع ولا يكون إلا للماء ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          يجبن بنا عرض الفلاة وما لنا     عليهن إلا وخدهن سقاء

                                                          الوخد : سير سهل أي لا نحتاج إلى سقاء للماء لأنهن يردن بنا الماء وقت حاجتنا إليه وقبل ذلك ، والجمع أسقية وأسقيات ، وأساق جمع الجمع . وأسقاه سقاء : وهبه له . وأسقاه إهابا : أعطاه إياه ليدبغه ويتخذ منه سقاء . وقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، للذي استفتاه في ظبي رماه فقتله وهو محرم فقال : خذ شاة من الغنم فتصدق بلحمها وأسق إهابها من يتخذه سقاء . ابن السكيت : السقاء يكون للبن والماء ، والجمع القليل أسقية وأسقيات ; قال أبو النجم :


                                                          ضروعها بالدو أسقياته

                                                          والكثير أساق ، والوطب للبن خاصة ، والنحي للسمن ، والقربة للماء ، والسقاء ظرف الماء من الجلد ، ويجمع على أسقية ، وقيل : السقاء القربة للماء واللبن . ورجل ساق من قوم سقاء وسقائين ، والأنثى سقاءة وسقاية ، الهمز على التذكير والياء على التأنيث : كشقاء وشقاوة وفي المثل :


                                                          اسق رقاش إنها سقايه

                                                          ويروى سقاءه وسقاية على التكثير ، والمعنى واحد ، وهذا المثل يضرب للمحسن أي أحسنوا إليه لإحسانه ; عن أبي عبيد . واستقى الرجل واستسقاه : طلب منه السقي . وفي الحديث : خرج يستسقي فقلب رداءه ; وتكرر ذكر الاستسقاء في الحديث ، وهو استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد . يقال : استسقى وسقى الله عباده الغيث وأسقاهم ، والاسم السقيا بالضم . واستسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك . واستقى من النهر والبئر والركية والدحل استقاء : أخذ من مائها . وأسقيت في القربة سقيت فيها أيضا ; قال ذو الرمة :


                                                          وما شنتا خرقاء واهيتا الكلى     سقى فيهما ساق ولما تبللا
                                                          بأضيع من عينيك للدمع كلما [ ص: 213 ]     تعرفت دارا أو توهمت منزلا

                                                          وهذا الشعر أنشده الجوهري :


                                                          وما شنتا خرقاء واه كلاهما     سقى فيهما مستعجل لم تبللا

                                                          والصواب ما أوردناه . وقول القائل : فجعلوا المران أرشية الموت فاستقوا بها أرواحهم ، إنما استعاره وإن لم يكن هناك ماء ولا رشاء ولا استقاء . وتسقى الشيء : قبل السقي ، وقيل : ثري ; أنشد ثعلب للمرار الفقعسي :


                                                          هنيئا لخوط من بشام ترفه     إلى برد شهد بهن مشوب
                                                          بما قد تسقى من سلاف وضمه     بنان كهداب الدمقس خضيب

                                                          وزرع سقي ، ونخل سقي : للذي لا يعيش بالأعذاء إنما يسقى ، والسقي المصدر . وزرع سقي : يسقى بالماء ، والمسقوي : كالسقي ; حكاه أبو عبيد ، كأنه نسبه إلى مسقى كمرمى ، ولا يكون منسوبا إلى مسقي لأنه لو كان كذلك لكان مسقي ، وقد صرح سيبويه بذلك ، وزرع مسقوي : إذا كان يسقى ومظمئي إذا كان عذيا ، قال ذلك أبو عبيد وأنكره أبو سعيد . الجوهري : المسقوي من الزرع ما يسقى بالسيح ، والمظمئي ما تسقيه السماء ، وهو بالفاء تصحيف . وفي حديث معاذ في الخراج : وإن كان نشر أرض يسلم عليها صاحبها فإنه يخرج منها ما أعطي نشرها ربع المسقوي وعشر المظمئي ، المسقوي ، بالفتح وتشديد الياء ، من الزرع : ما يسقى بالسيح ، والمظمئي : ما تسقيه السماء ، وهما في الأصل مصدرا أسقى وأظمأ أو سقى وظمئ منسوبا إليهما . والسقي : المسقي . والسقي : البردي ، واحدته سقية ، وهي لا يفوتها الماء ، وسمي بذلك لنباته في الماء أو قريبا منه ; قال امرؤ القيس :


                                                          وكشح لطيف كالجديل مخصر     وساق كأنبوب السقي المذلل

                                                          وقال بعضهم : أراد بالأنبوب أنبوب القصب النابت بين ظهراني نخل مسقي ، فكأنه قال كأنبوب النخل السقي أي كقصب النخل ، أضافه إليه لأنه نبت بين ظهرانيه ، وقيل : السقي البردي الناعم ، وأصله العنقر يشبه به ساق الجارية ; ومنه قوله :


                                                          على خبندى قصب ممكور     كعنقران الحائر المسكور

                                                          والواحدة سقية ; قال عبد الله بن عجلان النهدي :


                                                          جديدة سربال الشباب كأنها     سقية بردي نمتها غيولها

                                                          والسقي أيضا : النخل . وفي الحديث : أنه كان إمام قومه فمر فتى بناضحه يريد سقيا ، وفي رواية : يريد سقية ; والسقي والسقية : النخل الذي يسقى بالسواني أي الدوالي . والسقي والسقي : ماء يقع في البطن ، وأنكر بعضهم الكسر . وقد سقى بطنه واستسقى وأسقاه الله . والسقي : ماء أصفر يقع في البطن . يقال : سقى بطنه يسقي سقيا . أبو زيد : استسقى بطنه استسقاء أي اجتمع فيه ماء أصفر ، والاسم السقي ، بالكسر ، وقال شمر : السقي المصدر ، والسقي الاسم ، وهو السلى كما قالوا : رعي ورعي . وفي حديث عمران بن حصين : أنه سقي بطنه ثلاثين سنة . يقال : سقي بطنه وسقى بطنه واستسقى بطنه أي حصل فيه الماء الأصفر . وقال أبو عبيدة : السقي الماء الذي يكون في المشيمة يخرج على رأس الولد . والسقي : جلدة فيها ماء أصفر تنشق عن رأس الولد عند خروجه . التهذيب : والسقي ما يكون في نفافيخ بيض في شحم البطن . وسقى العرق : أمد فلم ينقطع . وأسقى الرجل إسقاء : اغتابه ; قال ابن أحمر :


                                                          ولا علم لي ما نوطة مستكنة     ولا أي من فارقت أسقي سقائيا

                                                          قال شمر : لا أعرف قول أبي عبيد أسقى سقائيا بمعنى اغتبته ; قال : وسمعت ابن الأعرابي يقول : معناه لا أدري من أوعى في الداء . قال ابن الأعرابي : يقال : سقى زيد عمرا وأسقاه إذا اغتابه غيبة خبيثة . الجوهري : أسقيته إذا عبته واغتبته . وسقي قلبه عدواة : أشرب . ويقال للرجل إذا كرر عليه ما يكرهه مرارا : سقي قلبه بالعداوة تسقية . وسقى الثوب وسقاه : أشربه صبغا . ويقال للثوب إذا صبغته : سقيته منا من عصفر ونحو ذلك . واستقى الرجل واستسقى : تقيأ ; قال رؤبة :


                                                          وكنت من دائك ذا أقلاس     فاستسقين بثمر القسقاس

                                                          والمساقاة في النخيل والكروم على الثلث والربع وما أشبهه . يقال : ساقى فلان فلانا نخله أو كرمه إذا دفعه إليه واستعمله فيه على أن يعمره ويسقيه ويقوم بمصلحته من الإبار وغيره ، فما أخرج الله منه فللعامل سهم من كذا وكذا سهما مما تغله ، والباقي لمالك النخل ، وأهل العراق يسمونها المعاملة . وفي حديث الحج : وهو قائل السقيا . السقيا : منزل بين مكة والمدينة ، قيل : هي على يومين من المدينة ; ومنه الحديث : أنه كان يستعذب الماء من بيوت السقيا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية