الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. باب الرجل يرى الرجل يقتل أباه أو يره

( قال ) : وإذا رأى الرجل رجلا يقتل أباه متعمدا فأنكر القاتل أن يكون قتله أو قال لابنه فيما بينه وبينه إني قتلته لأنه قتل ولي فلانا عمدا أو لأنه ارتد عن الإسلام ولا يعلم الابن مما قال القاتل شيئا ولا وارث للمقتول غيره فالابن في سعة من قتل القاتل لأنه تيقن بالسبب الموجب لحل دمه للقاتل فكان له أن يقتص منه معتمدا على قوله تعالى { فقد جعلنا لوليه سلطانا } وعلى قوله صلى الله عليه وسلم { العمد قود } وحاصل المسألة على أربعة أوجه : أحدها إذا عاين قتله والثاني إذا أقر عنده أنه قتله فهذا ومعاينة القتل سواء لأن الإقرار موجب بنفسه حتى لا يملك المقر الرجوع عن إقراره فهذا ومعاينة السبب سواء والثالث أن يقيم البينة بأنه قتل أباه فيقضي له القاضي بالقود فهو في سعة من قتله لأن قضاء القاضي ملزم فيثبت به السبب المطلق لاستيفاء القود له .

والرابع أن يشهد عنده شاهدا عدل أن هذا الرجل قتل أباه فليس له أن يقتله بشهادة لأن الشهادة لا توجب الحق ما لم يتصل بها قضاء القاضي فلا يتقرر عنده السبب المطلق لاستيفاء القود بمجرد الشهادة ما لم ينضم إليه القضاء والذي بينا في الابن كذلك في غيره إذا عاين القتل أو سمع إقرار القاتل به أو عاين قضاء القاضي به كان في سعة من أن يعين الابن على قتله لأنه يعينه على استيفاء حقه وذلك من باب البر والتقوى ولو شهد عنده بذلك شاهدان لم يسعه أن يعينه على قتله بشهادتهما حتى يقضي القاضي له بذلك وإن أقام القاتل عند الابن شاهدين عدلين أن أباه كان قتل أبا هذا الرجل عمدا فقتله به لم ينبغ للابن أن يعجل بقتله حتى ينظر فيما شهدا به لأنهما لو شهدا بذلك عند القاضي حكم ببطلان حقه فكذلك إذا شهدا عنده وكذلك لا ينبغي لغيره أن يعينه على ذلك إذا شهد عنده عدلان لما قلنا أو بأنه كان مرتدا حتى يتثبت فيه وهذا لأن القتل إذا وقع فيه الغلط لا يمكن تداركه فيتثبت فيه حتى يكون إقدامه عليه عن بصيرة وإن شهد بذلك عنده محدودان في قذف أو عبدان أو نسوة عدول لا رجل معهن أو فاسقان فهو في سعة من قتله لأنهما لو شهدا بذلك عند القاضي لم يمنعه من قتله بل يعينه على ذلك فكذلك إذا شهدوا عنده .

وإن تثبت فيه فهو خير له لأنه أقرب إلى الاحتياط فإن القتل لا يمكن تداركه إذا وقع فيه الغلط وفرق بين القصاص وحد القذف فقال القاذف [ ص: 182 ] إذا أقام أربعة من الفساق يشهدون على صدق مقالته لا يقام عليه حد القذف والقاتل إذا أقام فاسقين على العفو أو على أن قتله كان بحق لا يسقط القود عنه والفرق أن هناك السبب الموجب للحد لم يتقرر فإن نفس القذف ليس بموجب للحد لأنه خبر متمثل بين الصدق والكذب وإنما يصير موجبا بعجزه عن إقامة أربعة من الشهداء ولم يظهر ذلك العجز لأن للفساق شهادة وإن لم تكن مقبولة والموجب للقود هو القتل وقد تقرر ذلك فالعفو بعده مسقط وهذا المسقط لا يظهر إلا بقبول شهادته وليس للفاسق شهادة مقبولة وبيان هذا أن الله تعالى قال { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } والمعطوف على الشرط شرط وفي باب القتل أوجب القود بنفس القتل فقال تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } ثم قال { : فمن تصدق به فهو كفارة له } فعرفنا أن العفو مسقط بعد الوجوب لا أن يكون عدم العفو مقررا سبب الوجوب وإن شهد بذلك عنده شاهد عدل ممن يجوز شهادته فقال القاتل : عندي شاهد آخر مثله ففي القياس له أن يقتله لأن المانع لا يظهر بشهادة الواحد وفي الاستحسان لا يعجل بقتله حتى ينظر أيأتيه بآخر أم لا لأنه لو أقام شاهد عدل عند القاضي وادعى أن له شاهدا آخر حاضرا أمهله إلى آخر مجلسه فكذلك الولي يمهله حتى يأتي بشاهد آخر وإن قتله كان في سعة لأن السبب المثبت لحقه مقرر والمانع لم يظهر

التالي السابق


الخدمات العلمية