الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4880 باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء

                                                                                                                              وهو في النووي، في (الباب السابق) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 30 جـ 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا حدثنا سفيان بن عيينة حدثني سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء ومن درك الشقاء ومن شماتة الأعداء ومن جهد البلاء قال عمرو في حديثه قال سفيان أشك أني زدت واحدة منها) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) ، رضي الله عنه؛ (أن النبي، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ كان يتعوذ) أي: تعبدا، وتواضعا، وتعليما للأمة. (من سوء القضاء) . أي: ما يسوء الإنسان، ويوقعه في المكروه.

                                                                                                                              [ ص: 657 ] ولفظ "السوء" ينصرف: إلى المقضي عليه، دون القضاء، وهو كما قال النووي : شامل للسوء: في الدين، والدنيا، والبدن، والمال، والأهل. وقد يكون ذلك: في الخاتمة. انتهى.

                                                                                                                              نسأل الله: العافية. ونسأله - بوجاهة وجهه الكريم -: أن يختم لنا، وللمسلمين: بخاتمة الحسنى، ويرفعنا: إلى المحل الأسنى.

                                                                                                                              وفي الاستعاذة من ذلك: ما يدل على أنه: لا يخالف الرضاء بالقضاء؛ فإن الاستعاذة، من سوء القضاء: هي من قضاء الله تعالى، وقدره. ولهذا: شرعها لعباده.

                                                                                                                              ومن هذا: ما ورد في "قنوت الوتر" بلفظ: "وقني شر ما قضيت".

                                                                                                                              والحاصل: أنها قد وردت السنة الصحيحة: ببيان أن القضاء - باعتبار العباد - ينقسم إلى قسمين: "خير، وشر". وأنه يشرع لهم: الدعاء بالوقاية من شره، والاستعاذة منه.

                                                                                                                              ولا ينافي هذا: ما ورد عنه، صلى الله عليه وآله وسلم - في بيان معنى الإيمان - لمن سأله عنه؛ بقوله: "والقدر خيره وشره"، كما هو ثابت في "الصحيحين، وغيرهما" من طرق؛ فإنه يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا بما قضاه الله تعالى: من خير، وشر، مستعيذا بالله: من شر القضاء: عملا بمجموع الأدلة؛ فحديث الإيمان بالقضاء - كما دل على أنه: من [ ص: 658 ] جملة ما يصدق عليه مفهوم مطلق الإيمان -: دل على أن القضاء، منقسم إلى: ما هو خير، وإلى: ما هو شر، كما قال: "والقدر، خيره وشره".

                                                                                                                              ثم بين، صلى الله عليه وآله وسلم: بما "وقع منه: من الاستعاذة من شر القضاء": بأن ذلك جائز للعباد، بل سنة قويمة، وصراط مستقيم.

                                                                                                                              اللهم ! إنا نؤمن بقضائك، خيره وشره، ونعوذ بك: من شر ما قضيت. فقنا شره، وأعطنا خيره. يا من بيده: الخير والشر، والعطاء والمنع، والقبض والبسط ! اللهم ! آمين.

                                                                                                                              (ومن درك الشقاء) . المشهور فيه: "فتح الراء".

                                                                                                                              وحكى عياض، وغيره: أن "بعض رواة مسلم ": رواه ساكنا. وهي لغة.

                                                                                                                              معناه: أعوذ بك: أن يدركني شقاء، في أمور الآخرة والدنيا.

                                                                                                                              "والشقاء": الهلاك. وقد يطلق: على السبب المؤدي إلى الهلاك.

                                                                                                                              قال الشوكاني : "الشقاء": شدة المشقة، في أمور الدنيا، وضيقها عليه، وحصول الضرر البالغ. في بدنه أو أهله. أو ماله.

                                                                                                                              وقد يكون باعتبار: الأمور الأخروية. وذلك بما يحصل عليه: من التبعة، والعقوبة، بسبب ما اكتسبه من الوزر، واقترفه من الإثم.

                                                                                                                              (ومن شماتة الأعداء) : هي "فرح العدو ببلية، تنزل بعدوه". يقال: [ ص: 659 ] منه: "شمت"، بكسر الميم، وشمت بفتحها، فهو "شامت". وأشمته غيره.

                                                                                                                              وقال في (تحفة الذاكرين) : هي فرح الأعداء، بما يقع على الشخص من المكروه، ويحل به من المحنة.

                                                                                                                              قال في الصحاح: "الشماتة": الفرح ببلية العدو. يقال: "شمت به" بالكسر، "يشمت": شماتة. "وبات فلان بليلة الشوءمة" أي بليلة: يشمت الشوامت. انتهى.

                                                                                                                              وفي القاموس: "شمت"، كفرح: شمتا، وشماتة: فرح ببلية العدو.

                                                                                                                              وفي النهاية: "شماتة الأعداء": فرح العدو ببلية، تنزل بمن يعاديه. انتهى.

                                                                                                                              استعاذ صلى الله عليه وسلم: من شماتة الأعداء، لشدة تأثيرها في الأنفس البشرية، ونفور طبائع العباد عنها. وقد يتسبب عن ذلك: تعاظم العداوة، المقتضية إلى استحلال ما حرمه الله، عز وجل.

                                                                                                                              (ومن جهد البلاء) : بفتح الجيم، وضمها.

                                                                                                                              [ ص: 660 ] وقيل: "بالفتح": كل ما أصاب الإنسان، من شدة المشقة.

                                                                                                                              و"بالضم": ما لا طاقة له بحمله، ولا قدرة له على دفعه. قال النووي : "الفتح": أشهر، وأفصح.

                                                                                                                              "والبلاء" بفتح الباء، مع المد - ويجوز الكسر، مع القصر -: وهو الحالة التي يمتحن بها الإنسان، بحيث يتمنى فيها: الموت، ويختاره عليها.

                                                                                                                              استعاذ منه: لأن ذلك - مع ما فيه: من المشقة على صاحبه -، قد يحصل به: التفريط في بعض أمور الدين. وقد يضيق صدره: لحمله، فلا يصبر. فيكون ذلك سببا للإثم.

                                                                                                                              وروي عن "ابن عمر"؛ أنه فسره: بقلة المال، وكثرة العيال. وقال غيره: هي الحالة الشاقة.

                                                                                                                              (قال عمرو - في حديثه -: قال سفيان: أشك أني زدت: واحدة منها) .

                                                                                                                              وفي البخاري؛ قال سفيان: ثلاث زدت أنا واحدة"، أي: من قبل نفسي، ولا أدري: أيتهن هي؟". انتهى.

                                                                                                                              وقد أخرج الإسماعيلي عنه، فبين فيه: أن "الخصلة المزيدة" هي: "شماتة الأعداء".

                                                                                                                              [ ص: 661 ] ولعل سفيان؛ كان إذا حدث: ميزها. ثم طال الأمر، فطرأ عليه النسيان. فحفظ بعض من سمع: تعيينها منه، قبل أن يطرأ عليه النسيان. ثم كان بعد أن خفي عليه تعيينها: يذكر: كونها مزيدة - مع إبهامها -.

                                                                                                                              والحديث أخرجها: الشيخان، والنسائي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية