الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (128) قوله تعالى : أو يتوب : في نصبه أوجه ، أحدها : أنه معطوف على الأفعال المنصوبة قبله تقديره : ليقطع أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، وعلى هذا فيكون قوله "ليس لك من الأمر شيء " جملة اعتراضية بين المتعاطفين ، والمعنى : أن الله تعالى هو المالك لأمرهم ، فإن شاء [ ص: 392 ] قطع طرفا منهم أو هزمهم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ورجعوا ، أو يعذبهم إن تمادوا على كفرهم ، وإلى هذا التخريج ذهب جماعة من النحاة كالفراء والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن "أو " هنا بمعنى "إلا أن " كقولهم : "لألزمنك أو تقضيني حقي " أي : إلا أن تقضيني .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : [أن ] "أو " بمعنى "حتى " أي : ليس لك من الأمر شيء حتى يتوب . وعلى هذين القولين فالكلام متصل بقوله : "ليس لك من الأمر شيء " والمعنى : ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم بالإسلام فيحصل لك سرور بهدايتهم إليه أو يعذبهم بقتل أو نار في الآخرة . فيتشفى بهم . وممن ذهب إلى ذلك الفراء وأبو بكر ابن الأنباري . قال الفراء : "ومثل هذا الكلام : " لأذمنك أو تعطيني "على معنى : إلا أن تعطيني ، وحتى تعطيني . وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      1425 - فقلت له لا تبك عينك إنما تحاول ملكا أو تموت فتعذرا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد : حتى تموت ، أو : إلا أن تموت " قلت : وفي تقديره بيت امرئ القيس بـ "حتى " نظر ، إذ ليس المعنى عليه ؛ لأنه لم يفعل ذلك لأجل هذه الغاية والنحويون لم يقدروه إلا بمعنى "إلا " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 393 ] الثالث : أنه منصوب بإضمار "أن " عطفا على قوله : "الأمر " كأنه قيل : "ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم أو تعذيبهم شيء " ، فلما كان في تأويل الاسم عطف على الاسم قبله فهو من باب قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      1426 - ولولا رجال من رزام أعزة     وآل سبيع أو أسوءك علقما



                                                                                                                                                                                                                                      وقولها :


                                                                                                                                                                                                                                      1427 - للبس عباءة وتقر عيني     أحب إلي من لبس الشفوف



                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أنه معطوف بالتأويل المذكور على "شيء " والتقدير : ليس لك من الأمر من شيء أو توبة الله عليهم أو تعذيبهم أي : ليس لك أيضا توبتهم ولا تعذيبهم ، إنما ذلك راجع إلى الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي : "أو يتوب ، أو يعذبهم " برفعهما على الاستئناف في جملة اسمية أضمر مبتدؤها أي : أو هو يتوب ويعذبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية