الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث : من القوادح ( فساد الوضع ، وهو أخص مما تلاه ) أي من فساد الاعتبار قال الجدليون في ترتيب الأسئلة : إن فساد الاعتبار مقدم على فساد الوضع ; لأن فساد الاعتبار نظر في فساد القياس من حيث الجملة ، وفساد الوضع أخص لأنه يستلزم عدم اعتبار القياس ; لأنه قد يكون بالنظر إلى أمر خارج عنه ، وممن قال إن فساد الاعتبار أعم : الهندي والتاج السبكي في جمع الجوامع وجماعة . قال العسقلاني : واعلم أن فساد الوضع أعم من فساد الاعتبار ; لأن القياس قد يكون صحيح الوضع ، وإن كان اعتباره فاسدا بالنظر إلى أمر خارج ، فكل فساد الوضع فساد الاعتبار ولا عكس . وهو ( كون الجامع ) بين الأصل والفرع ( ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم . كقول شافعي في مسح الرأس : مسح فسن تكراره كاستجمار . فيعترض ) على الشافعي ( بكراهة تكرار مسح الخف ) قال الطوفي وغيره : إنما سمي هذا فساد الوضع ; لأن وضع الشيء جعله في محله على هيئة أو كيفية ، فإذا كان ذلك المحل أو تلك الهيئة لا تناسبه كان وضعه على خلاف الحكمة فاسدا . فإذا اقتضت الحكمة نقيض الحكم المدعى أو خلافه : كان ذلك مخالفا للحكمة ، إذ من شأن العلة أن تناسب معلولها لا أنها تخالفه ، فكان ذلك فاسد الوضع بهذا الاعتبار ، ومن أمثلة ذي النص : قول الحنفية : الهرة سبع ذو ناب ، فيكون سؤره نجسا [ ص: 543 ] كالكلب . فيقال : السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة ، حيث { دعي إلى دار فيها كلب فامتنع . ودعي إلى أخرى فيها سنور ، فأجاب . فقيل له ، فقال : السنور سبع } رواه أحمد وغيره ، ومن أمثلة ذي الإجماع : قول الشافعية : ما في المتن ، وجواب المستدل عنه ببيان المانع لتعرض المسح لتلف الخف ، وسؤال فساد الوضع نقض خاص لإثباته نقيض الحكم فإن ذكر المعترض نقيض الحكم مع أصله ، فقال : لا يسن تكرار مسح الرأس كالخف فهو القلب .

لكن اختلف أصلهما ( ومنه ) أي ومن فساد الوضع ( كون الدليل على هيئة غير صالحة لاعتباره ) أي غير صالحة ; لأن يعتبر بها الدليل ( في ترتيب الحكم ) وهو نوعان ، أحدهما : أن يكون صالحا لضد ذلك الحكم . والثاني : أن يكون صالحا لنقيض ذلك الحكم . فالأول ( كتلقي تخفيف من تغليظ كقول حنفي : القتل جناية عظيمة ، فلا يجب فيها كفارة كبقية الكبائر ، فجناية عظيمة ) في قول المستدل ( تناسب التغليظ ) ( أو ) كتلقي ( توسيع من تضييق ، ك ) قول المستدل ( الزكاة مال واجب إرفاقا لدفع الحاجة ، فكان على التراخي كالدية على العاقلة ، فدفع الحاجة ) في قول المستدل ( يقتضي الفور ) .

والنوع الثاني : ما أشير إليه بقوله ( أو إثبات ) أي أن يتلقى إثبات ( من نفي ، ك ) قول المستدل ( المعاطاة في اليسير بيع لم يوجد فيه سوى الرضا ، فوجب أن يبطل كغيره . فالرضا ) في قول المستدل ( يناسب الانعقاد ) وإنما سمي هذا فساد الوضع ; لأن وضع القياس أن يكون على هيئة صالحة ; لأن يترتب على ذلك الحكم المطلوب إثباته . فمتى خلا عن ذلك فسد وضعه ( وجوابهما ) أي جواب النوعين المذكورين ( بتقرير كونهما كذلك ) أي بتقرير كون الدليل صالحا لاعتباره في ترتيب الحكم عليه ، كأن يكون للدليل جهتان ، ينظر المستدل فيه من إحداهما ، والمعترض من الأخرى ، كالارتفاق ودفع الحاجة في مسألة الزكاة . ويجاب عن الكفارة في القتل : بأن غلظ فيه بالقصاص فلا يغلظ فيه بالكفارة . ويجاب عن المعاطاة بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة ، لا على الرضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية