الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5307 باب تشميت العاطس إذا حمد الله

                                                                                                                              ولفظ النووي : (باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 120 جـ 18، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك قال عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست أنا فلم تشمتني قال إن هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله ) .

                                                                                                                              [ ص: 665 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 665 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك ) رضي الله عنه، (قال: عطس - عند النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم - رجلان) : هما " عامر بن الطفيل، وابن أخيه"، كما في الطبراني، من حديث " سهل بن سعد ".

                                                                                                                              (فشمت أحدهما) ، فقال له: "يرحمك الله". (ولم يشمت الآخر) يقال: "شمت": بالمعجمة، والمهملة. لغتان مشهورتان.

                                                                                                                              قال النووي : المعجمة أفصح. قال ثعلب: معناه بالمعجمة: أبعد الله عنك الشماتة. وبالمهملة: من السمت. وهو القصد، والهدى. انتهى.

                                                                                                                              وأصله: إزالة شماتة الأعداء. والتفعيل: للسلب. نحو "جلدت البعير" أي: أزلت جلده. فاستعمل للدعاء بالخير: لتضمنه ذلك.

                                                                                                                              فكأنه دعا له: أن لا يكون، في حالة من يشمت به.

                                                                                                                              أو أنه، إذا حمد الله: أدخل على الشيطان ما يسوءه، فشمت هو بالشيطان.

                                                                                                                              قال النووي : اجتمعت الأمة على أنه: مشروع. ثم اختلفوا في إيجابه؛ فأوجبه: أهل الظاهر، وابن مريم من المالكية: على كل من سمعه.

                                                                                                                              [ ص: 666 ] لظاهر قوله، صلى الله عليه وآله وسلم: "فحق على كل مسلم سمعه: أن يشمته".

                                                                                                                              قال عياض : والمشهور - من مذهب مالك -: أنه فرض كفاية. قال: وبه قال جماعة من العلماء؛ كرد السلام.

                                                                                                                              ومذهب الشافعي، وأصحابه، وآخرين: أنه سنة، وأدب. وليس بواجب. وعليه يحملون الحديث. انتهى.

                                                                                                                              قلت: حديث " أبي هريرة " عند البخاري، بلفظ: "فليقل الحمد لله": ظاهر في الوجوب. وكذا حديثه الآخر. عنده - بلفظ: "خمس تجب على المسلم للمسلم، فذكر فيها: التشميت. وهو عند مسلم أيضا.

                                                                                                                              والظاهر: مع جمهور أهل الظاهر، القائلين بالوجوب. وقواه الحافظ "ابن القيم" في حواشي السنن: بأنه جاء بلفظ الوجوب الصريح. وبلفظ الحق الدال عليه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، وبقول [ ص: 667 ] الصحابي: "أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم".

                                                                                                                              قال: ولا ريب أن الفقهاء: يثبتون وجوب أشياء كثيرة، بدون مجموع هذه الأشياء. والله أعلم.

                                                                                                                              قال عياض : واختلف العلماء؛ في كيفية الحمد والرد. واختلفت فيه الآثار؛ فقيل: يقول: "الحمد لله". وقيل: "الحمد لله رب العالمين. وقيل: "الحمد لله على كل حال". وقال ابن جرير : هو مخير بين هذا كله. وهذا هو الصحيح. وأجمعوا على أنه: مأمور "بالحمد لله".

                                                                                                                              وأما لفظ التشميت؛ فقيل: يقول: "يرحمك الله". وقيل: "الحمد لله يرحمك الله". وقيل: "يرحمنا الله وإياكم".

                                                                                                                              قال: واختلفوا في رد العاطس على المشمت؛ فقيل: يقول: "يهديكم الله، ويصلح بالكم". وقيل: يقول: "يغفر الله لنا ولك".

                                                                                                                              وقال مالك، والشافعي: يخير بين هذين. وهذا هو الصواب.. وقد صحت الأحاديث بهما.

                                                                                                                              [ ص: 668 ] قال: ولو تكرر العطاس؛ قال مالك: يشمته ثلاثا، ثم يسكت. انتهى.

                                                                                                                              (فقال الذي لم يشمته: عطس فلان، فشمته. وعطست أنا، فلم تشمتني. قال: "إن هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله، عز وجل") .

                                                                                                                              فيه: أن التشميت، إنما على "حمد العاطس". فإن حمد: شمت. وإن لم يحمد: لا يشمت.

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة، عند البخاري؛ "أن هذا ذكر الله، فذكرته. وأنت نسيت الله، فنسيتك".

                                                                                                                              وفي حديث آخر - عند مسلم - عن أبي موسى، يرفعه: "إذا عطس أحدكم فحمد الله: فشمتوه. فإن لم يحمد الله: فلا تشمتوه". وهذا: تصريح بالأمر بالتشميت، إذا حمد العاطس. وتصريح: بالنهي عن تشميته، إذا لم يحمده، فيكره تشميته: إذا لم يحمد. فلو حمده، ولم يسمعه إنسان: لم يشمته.

                                                                                                                              قال مالك: لا يشمته، حتى يسمع حمده.

                                                                                                                              [ ص: 669 ] قال: فإن رأيت من يليه، شمته: فشمته.

                                                                                                                              قال عياض : قال بعض شيوخنا: وإنما أمر العاطس بالحمد، لما حصل له من المنفعة: وبخروج ما اختنق في دماغه، من الأبخرة.




                                                                                                                              الخدمات العلمية