الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          حدثني مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب

                                                                                                          [ ص: 689 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 689 ] كتاب أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                          باب أسماء النبي ، صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          أي المختصة به - صلى الله عليه وسلم - التي لم يتسم بها أحد قبله ، جمع اسم ، وهو اللفظ الموضوع على الجوهر والعرض للتمييز ، كما في القاموس ، قال ابن القيم : وأسماؤه - صلى الله عليه وسلم - كما سماه الله - تعالى - أعلام دالة على معان هي أوصاف مدح ، فلا يضاد فيها العلمية الوصفية ، فمحمد علم وصفة في حقه ، وإن كان علما محضا في حق غيره ، انتهى ، وحكى الغزالي الاتفاق ، وأقره غيره على منع تسميته - صلى الله عليه وسلم - باسم لم يسمه به أبوه ، ولا سمى به نفسه يعني ولو دل على صفة كمال ، ولا يرد على الاتفاق وجود الخلاف في أسماء الله - تعالى - لأن صفات الكمال ثابتة لله - عز وجل - ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يطلق عليه صفات الكمال اللائقة به بالبشر ، فلو جازت تسميته بما لم يرده لربما وصف بأوصاف لا تليق إلا بالله - تعالى - دونه على سبيل الغفلة ، فيقع الواصف في محظور ، وهو لا يشعر هذا ، ولعل الإمام - رحمه الله تعالى - ختم الكتاب بالأسماء النبوية بعد ما ابتدأه بالبسملة محفوظا بأسمائه - عز وجل - وأسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاء قبوله .

                                                                                                          1891 1844 - ( مالك عن ابن شهاب ) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري ( عن محمد بن جبير بن مطعم ) القرشي النوفلي الثقة ، العالم بالأنساب مات على رأس المائة ، قال ابن عبد البر : كذا أرسله يحيى ، وأكثر الرواة ، وأسنده معن بن عيسى ، وأبو مصعب ، ومحمد بن المبارك الصوري ، ومحمد بن عبد الرحمن ، وابن شروس الصنعاني ، وإبراهيم بن طهمان ، وعبد الله بن نافع ، وآخرون ، كلهم عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير عن أبيه جبير ، بجيم وموحدة مصغر ابن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف الصحابي العالم بالأنساب ، أسلم بين [ ص: 690 ] الحديبية ، وفتح مكة ، وقيل أسلم في الفتح ، ومات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ، ورواية الإرسال لا تضر في رواية الوصل ; لأن الكل حفاظ ثقات ، فيحمل على أن مالكا كان يحدث به على الوجهين ، وهو معلوم الاتصال عند أصحاب ابن شهاب وشعيب عند الشيخين ، ومعمر وعقيل وسفيان بن عيينة عند مسلم والترمذي خمستهم عن الزهري ، موصولا .

                                                                                                          ورواه عن جبير ولده الآخر نافع عند أحمد والبخاري في التاريخ ، وابن سعد ، وصححه الحاكم ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لي : خمسة أسماء ) يعني اختص بها لم يتسم بها أحد قبله ، أو معظمة أو مشهورة في الأمم الماضية والكتب المتقدمة ، كما قاله عياض والقرطبي ، وجزم به النووي ، وحكاه عن العلماء ، وتعقب بأن أسماءه في الأمم الماضية والكتب المنزلة أكثر من خمسة ، ويدفع بقوله مشهورة ; لأنها وإن كانت أكثر ، لكن المشهور منها خمسة فقط ، ما يقال المقرر في علم البيان أن تقديم الجار يفيد الحصر ، وقد جاءت أحاديث بأكثر من ذلك حتى قال ابن العربي عن بعض الصوفية : لله - سبحانه وتعالى - ألف اسم ، وله - صلى الله عليه وسلم - ألف اسم بعضها في القرآن والحديث ، وبعضها في الكتب القديمة ، فمجيء الروايات بأكثر يدل على أنه ليس حصرا مطلقا ، بل حصر تقييد بما ذكر ، وأجاب أبو العباس العزفي ، بفتح المهملة ، والزاي المعجمة ، وبالفاء بأنه قبل أن يطلعه الله على بقية أسمائه .

                                                                                                          وقال العسكري : خصت لعلم السامع بما سواها ، أو لغير ذلك ، ثم لفظ " خمسة " لم ينفرد بها مالك ، بل تابعه عليها محمد بن ميسرة عن الزهري ، أخرجه البيهقي ، فهي زيادة ثقة حافظ غير منافية فيجب قبولها ، وما وقع في حديث نافع بن جبير عن أبيه هي ستة ، فزاد الخاتم ، فوهم من بعض رواته ; لأنه إنما جاء تفسير العاقب ، كما عند البيهقي عن ابن أبي حفصة عن الزهري عن محمد عن أبيه ، لا اسما برأسه ، كما أشار إليه الحافظ ، ويأتي بسطه .

                                                                                                          وأما قول ابن عساكر : يحتمل أن العدد ليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما ذكره الراوي بالمعنى ، ويحتمل أنه من لفظه - صلى الله عليه وسلم - ولا يقتضي الحصر يعني المطلق ، فتعقب ابن دحية والحافظ احتماله الأول بأن تصريحه في الحديث بها بقوله : لي ، ونصه على عدتها قبل ذكرها صريح في أنه من لفظه - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أنه أراد لي خمسة أختص بها لم يتسم بها أحد قبلي ، أو معظمة ، أو مشهورة في الأمم الماضية ، لا أنه أراد الحصر فيها ، يعني كما قاله العلماء كما مر . ( أنا محمد ) ، منقول من صفة الحمد ، وهو محمود وفيه المبالغة ; لأن المحمد لغة هو الذي حمد مرة بعد مرة إلى غير نهاية كالمدح أو الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة ، قال الأعشى : [ ص: 691 ]

                                                                                                          إليك - أبيت اللعن - كان وجيفها إلى الماجد القرم الجواد المحمد



                                                                                                          وأخرج البخاري في التاريخ الصغير عن علي بن زيد قال : كان أبو طالب يقول :


                                                                                                          وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

                                                                                                          وهذا البيت في قصيدة لحسان ، فإما أنه توارد مع أبي طالب عليه ، أو ضمنه شعره ، سمي به بإلهام من الله - تعالى - لجده عبد المطلب ، ورؤيا رآها أن سلسلة فضة خرجت من ظهره ، لها طرف في السماء ، وطرف في الأرض ، وطرف في المشرق ، وطرف في المغرب ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، قال : وما رأيت نورا أزهر منها أعظم من نور الشمس بسبعين ضعفا ، وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا ، ورأيت العرب والعجم لها ساجدين ، وناسا من قريش تعلقوا بها ، وقوما منهم يريدون قطعها ، فإذا دنوا منها أخذهم شاب لم أر أحسن منه وجها ، ولا أطيب ريحا ، فيكسر أظهرهم ، ويقلع أعينهم ، فرفعت يدي لأتناول منها ، فلم أنل ، وقيل لي : النصيب للذين تعلقوا بها ، فقصصتها على كاهنة قريش ، فعبرت بمولود من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ، ويحمده أهل السماوات والأرض ، رواه أبو نعيم وغيره مع ما حدثته به أمه آمنة حين قيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وضعتيه فسميه محمدا .

                                                                                                          وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن عباس قال : " لما ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عنه عبد المطلب ، وسماه محمدا ، فقيل له : يا أبا الحارث ما حملك على أن سميته محمدا ، ولم تسمه باسم آبائه ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء ، ويحمده الناس في الأرض " ، ( وأنا أحمد ) علم منقول من صفة أفعل التفضيل المنبئة عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى ، ومعناه أحمد الحامدين لما في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله ، وقيل : الأنبياء حامدون ، وهو أحمدهم ، أي أكثرهم حمدا ، وأعظمهم في صفة الحمد ، فهو بمعنى فاعل ، وقيل بمعنى مفعول ، أي أحق الناس وأولاهم أن يحمد ، فيكون كمحمد في المعنى ، لكن الفرق بينهما : أن محمدا هو الكثير الخصال التي يحمد عليها ، وأحمد هو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره ، فمحمد في الكثرة والكمية ، وأحمد في الصفة والكيفية ، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحقه غيره ، أي أفضل حمد حمده البشر ، فالاسمان واقعان على المفعول .

                                                                                                          قال عياض : كان - صلى الله عليه وسلم - أحمد قبل أن يكون محمدا ، كما وقع في الوجود ; لأن تسمية أحمد وقعت في الكتب السالفة ، وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم ، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمد الناس ، وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس ، وقد خص بصورة الحمد وبلواء الحمد ، وبالمقام المحمود ، وشرع له [ ص: 692 ] الحمد بعد الأكل ، وبعد الشرب ، وبعد الدعاء ، وبعد القدوم من السفر ، وسميت أمته الحامدين فجمعت له معاني الحمد وأنواعه - صلى الله عليه وسلم - انتهى .

                                                                                                          وهذا موافق لقول السهيلي : لم يكن محمدا حتى كان أحمد ; لأنه حمد ربه فنبأه وشرفه فلذا يقدم أحمد على محمد ، وكلاهما صريح في سبقية أحمد ، وعليه اقتصر في فتح الباري ، وزعم ابن القيم سبقية محمد ، ونسب القائل بسبقية أحمد إلى الغلط ، واحتج بأن في التوراة تسميته ماذمان ، وصرح بعض شراحها من مؤمني أهل الكتاب بأن معناه محمد ، وإنما سماه عيسى أحمد لأن تسميته به وقعت متأخرة عن تسميته بمحمد في التوراة ، ومتقدمة على تسميته في القرآن ، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما ، وأيده بعضهم بحديث أنس عند أبي نعيم : إن الله - تعالى - سماه محمدا قبل الخلق بألف عام ، وبغير ذلك .

                                                                                                          وروى أحمد عن علي رفعه : " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد " ، الحديث .

                                                                                                          ( وأنا الماحي الذي يمحو الله به ) ، في رواية ابن بكير ، ومعن وغيرهما بي ( الكفر ) يزيله ; لأنه بعث والدنيا مظلمة بغياهب الكفر ، فأتى بالنور الساطع حتى محاه ، قال عياض : أي من مكة ، وبلاد العرب ، وما زوي له من الأرض ، ووعد أنه يبلغه ملك أمته ، قال : أو يكون المحو عاما بمعنى الظهور والغلبة ، ليظهره على الدين كله .

                                                                                                          وفي فتح الباري : استشكل بأنه ما يمحى من جميع البلاد ، وأجيب بحمله على الأغلب ، أو على جزيرة العرب ، أو أنه يمحى بسببه أولا فأولا إلى أن يضمحل في زمن عيسى ، فإنه يرفع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام ، وتعقب بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ، ويجاب بجواز أن يرتد بعضهم بعد موت عيسى ، وترسل الرياح فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ، وحينئذ لا يبقى إلا الشرار .

                                                                                                          وفي رواية نافع بن جبير : " وأنا الماحي " ، فإن الله يمحي به سيئات من اتبعه ، وهذا يشبه أن يكون من قول الراوي ، انتهى ، أي بمغفرتها له بلا سبب ، أو بإلهام التوبة النصوح لمن صدرت منه ، وقبولها : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) ( سورة الشورى : الآية 25 ) ، ولا يخالف هذا تفسيره بمحو الكفر ; لأن محو أحدهما لا يمنع محو الآخر ، فليس تفسيرا للماحي بخلاف ما فسره به الشارع ; لأنه لا ينافيه ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - خص الكفر لظهور محوه برسالته .

                                                                                                          ( وأنا الحاشر ) اسم فاعل من الحشر ، وهو الجمع ( الذي يحشر الناس على قدمي ) ، بكسر الميم ، وخفة الياء بالإفراد ، وبشد الياء مع فتح الميم مثنى روايتان ، قال ابن عبد البر : أي قدامي ، وأمامي أنهم يجتمعون إليه ، وينضمون حوله ، ويكونون أمامه يوم القيامة ووراءه .

                                                                                                          قال الخليل : حشرت الناس إذا ضممتهم من البوادي .

                                                                                                          وقال الباجي وعياض : اختلف في معنى على قدمي ، فقيل : على زماني وعهدي ، أي ليس بعدي نبي ، وقيل : لمشاهدتي كما قال : ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ ص: 693 ] ( سورة البقرة : الآية 143 ) ، وقال الخطابي : معناه على أثري ، أي أنه يقدمهم ، وهم خلفه ; لأنه أول من تنشق عنه الأرض فيتبعونه ، قال : ويؤيد هذا المعنى رواية : على عقبي ، وقيل : على أثري ، بمعنى أن الساعة على أثره أي قريبة من مبعثه كما قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وفي فتح الباري : أي على أثري ، أي أنه يحشر قبل الناس ، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى : " يحشر الناس على عقبي " ، بكسر الموحدة مخففا على الإفراد ، ولبعضهم بالتشديد ، وفتح الموحدة على التثنية ، ويحتمل أن المراد بالقدم : الزمان ، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر ، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ، ولا شريعة ، واستشكل هذا التفسير بأنه يقتضي أنه محشور ، فكيف يفسر به حاشر اسم فاعل ؟ وأجيب بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة ، والإضافة تصح بأدنى ملابسة ، فلما كان لا أمة بعد أمته ; لأنه لا نبي بعده ، نسب الحشر إليه ; لأنه يقع عقبه ، ويحتمل أن معناه أنه أول من يحشر كما جاء في الحديث الآخر : " أنا أول من تنشق عنه الأرض " وقيل معنى القدم : السبب ، وقيل المراد : على مشاهدتي قائما لله شاهدا على الأمم .

                                                                                                          وفي رواية نافع بن جبير : " وأنا حاشر بعثت مع الساعة " ، وهو يرجح الأول .

                                                                                                          ( وأنا العاقب ) ، أي آخر الأنبياء ، قال أبو عبيد : كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب ، ولذا قيل لولد الرجل بعده : هو عقبه ، وكذا آخر كل شيء .

                                                                                                          وروى ابن وهب عن مالك قال : أي معنى العاقب ختم الله به الأنبياء ، وختم بمسجده هذا المساجد ، يعني مساجد الأنبياء ، وقد زاد يونس عن الزهري عند مسلم وغيره : الذي ليس بعده نبي ، وقد سماه الله رءوفا رحيما .

                                                                                                          قال البيهقي : وقد سماه مدرج من قول الزهري ، قال الحافظ : وهو كما قال ، وكأنه أشار إلى آخر ما في سورة " براءة " .

                                                                                                          وأما قوله : الذي ليس بعده نبي ، فظاهره الإدراج أيضا ، لكن في رواية ابن عيينة عند الترمذي وغيره بلفظ : الذي ليس بعده نبي .

                                                                                                          وفي رواية نافع بن جبير : فإنه عقب الأنبياء ، وهو محتمل للرفع والوقف ، انتهى .

                                                                                                          وجزم السيوطي بأنه مدرج من تفسير الزهري لرواية الطبراني الحديث من طريق معمر عن الزهري إلى قوله : وأنا العاقب ، قال معمر : قلت للزهري : ما العاقب ؟ قال : الذي ليس بعده نبي .

                                                                                                          قال أبو عبيد : قال سفيان : العاقب آخر الأنبياء ، انتهى .

                                                                                                          ولا ينافيه رواية : بعدي بياء المتكلم ، لأنها قد ترد على لسان الراوي حكاية عن لسان من فسر كلامه إذا قوي تفسيره عنده ، حتى كأنه نطق به .

                                                                                                          وعند البخاري في تاريخه الأوسط والصغير ، والحاكم وصححه ، وأبي نعيم ، وابن سعد ، والبيهقي من طريق عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم : أنه دخل على عبد الملك بن مروان ، فقال له : أتحصي أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان جبير بن مطعم يعدها ؟ قال نعم هي ستة : محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح .

                                                                                                          قال الحافظ : [ ص: 694 ] لكن روى البيهقي في الدلائل من طريق ابن أبي حفصة ، وفي حديث محمد بن جبير : وأنا العاقب ، قال : يعني الخاتم ، انتهى .

                                                                                                          وكأنه أراد : زيادة الخاتم وهم من بعض الرواة في حديث جبير ; لأنه إنما جاء تفسيرا للعاقب لا اسما برأسه ، فلا ينافي قوله : لي خمسة أسماء ، وليس النزاع في أنه من أسمائه ، فلا نزاع فيه ، وخاتم النبيين ، بل في وروده في حديث جبير ، وفي مسلم ، وأحمد وغيرهما عن أبي موسى ، قال : سمى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء ، منها ما حفظنا ، ومنها ما لم نحفظ ، فقال : أنا محمد وأحمد والمقتفي والحاشر ( ونبي الرحمة ) ونبي التوبة ونبي الملحمة .

                                                                                                          ولابن عدي عن جابر وغيره مرفوعا : " إن لي عند ربي عشرة أسماء ، فذكر الخمسة المذكورة في هذا الباب ، وأنا رسول الرحمة ورسول التوبة ورسول الملاحم ، وأنا المقتفي ، قفيت النبيين عامة ، وأنا قيم " ، والقيم الكامل الجامع .

                                                                                                          ولأبي نعيم ، وابن مردويه عن أبي الطفيل مرفوعا : " لي عشرة أسماء عند ربي أنا محمد وأحمد والفاتح والخاتم وأبو القاسم والحاشر والعاقب والماحي ويس وطه " .

                                                                                                          قال الحافظ : ومن أسمائه في القرآن باتفاق : الشاهد المبشر النذير المبين الداعي إلى الله السراج المنير والمذكر والرحمة والنعمة والهادي والشهيد والأمين والمزمل والمدثر .

                                                                                                          وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي : المتوكل .

                                                                                                          ومن أسمائه المشهورة : المختار والمصطفى والشفيع والصادق المصدوق وغير ذلك ، وقد بلغها ابن دحية ثلاثمائة اسم ، وغالبها صفات وصف بها ، انتهى .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : الأسماء والصفات هنا سواء يعني لأن كثيرا ما يطلق الاسم على الصفات للتقليب ، أو لاشتراكهما في تعريف الذات وتمييزها عن غيرها ، وقد أوصلها بعضهم خمسمائة قال : مع أن في كثير منها نظرا ، قال عياض : حمى الله هذه الأسماء الخمسة ، أي المذكورة في حديث الباب أن يتسمى بها أحد قبله ، وإنما سمى بعض العرب محمدا قرب ميلاده لما سمعوا من الكهان والأحبار أن نبيا يبعث في ذلك الزمان يسمى محمدا ، رجوا أن يكون هو ، فسموا أبناءهم بذلك ، قال : ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها له أحد ، ويظهر عليه سبب يشكك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له - صلى الله عليه وسلم - قال : وهم ستة لا سابع لهم .

                                                                                                          وقال السهيلي : تبعا لابن خالويه ثلاثة ، قال الحافظ : وفيه نظر فقد جمعتهم في جزء مفرد ، فبلغوا نحو عشرين ، لكن مع تكرار في بعضهم ، ووهم في بعض فخلص خمسة عشر .

                                                                                                          روى البغوي ، وابن سعد ، وابن شاهين ، وابن السكن وغيرهم عن خليفة بن عبدة قال : سألت محمد بن ربيعة كيف سماك أبوك في الجاهلية محمدا ؟ قال : سألت أبي عما سألتني عنه ، فقال : خرجت رابع أربعة من تميم أنا أحدهم ، وسفيان بن مجاشع ، ويزيد بن عمرو بن ربيعة ، وأسامة بن مالك نريد الشام ، فنزلنا على غدير عند دير ، فقال لنا الديراني : إنه يبعث فيكم وشيكا نبي [ ص: 695 ] فسارعوا إليه فقلنا : ما اسمه ؟ قال : محمد ، فلما انصرفنا ولد لكل منا ولد فسماه محمدا لذلك ، فهؤلاء أربعة ليس في السياق ما يشعر بأن منهم من له صحبة إلا محمد بن عدي ، قال سعد : لما ذكرنا في الصحابة عداده في أهل الكوفة ، وذكر عبدان المروزي أن أول من سمي محمدا في الجاهلية محمد بن أحيحة بن الجلال ، وذكر البلاذري محمد بن عقبة بن أحيحة ، فلا أدري أهما واحد نسب إلى جده ، أم هما اثنان ، ومحمد بن البر البكري ذكره ابن حبيب ، وضبط البلاذري أناء البر بشد الراء ليس بعدها ألف من طريق ابن عتوارة ، وغفل ابن دحية ، فعد محمد بن عتوارة وهو ونسب إلى جده الأعلى . ومحمد بن اليحمدي الأزدي ذكره المفجع البصري ، ومحمد بن خولي الهمداني ذكره ابن دريد ، ومحمد بن حرماز بن مالك اليعمري ، ذكره أبو موسى الديلي ، ومحمد بن حمران واسمه ربيعة بن مالك الجعفي المعروف بالشويعر ذكره المرزباني ، ومحمد بن خزاعي بن علقمة السلمي من بني ذكوان ذكره ابن سعد ، ومحمد بن عمرو بن مغفل ، بضم أوله ، وسكون المعجمة ، وكسر الفاء ، ثم لام ، مات في الجاهلية ، وولده حبيب بموحدتين مصغر صحابي ، ومحمد بن الحارث بن خديج ذكره أبو حاتم السجستاني ، ومحمد القعنبي ، ومحمد الأسدي ذكرهما ابن سعد ، ولم ينسبهما بأكثر من ذلك ، وذكر عياض محمد بن مسلمة ، وهو غلط ، فإنه ولد بعد ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة ، ففضل له خمسة عشر ، وقد خلص لنا خمسة عشر ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في الصفة النبوية من طريق معن بن عيسى القزاز ، والإسماعيلي من طريق جويرية بن أسماء ، وأبو عوانة من طريق محمد بن المبارك ، وعبد الله بن نافع أربعتهم عن مالك به موصولا ، وتابعه جماعة عند الشيخين ، وغيرهما عن الزهري موصولا كما مر .

                                                                                                          هذا ، وقد أنعم الله الجواد الكريم الرءوف الرحيم بتمام هذا الشرح المبارك على الموطأ ، لجامعه العبد الفقير الحقير محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي ، فلله الحمد والمنة لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ، ولعظيم سلطانك ، وأسألك من فضلك متوسلا إليك بأشرف رسلك أن تجعله خالصا لوجهك ، وأن تنفع به ، وأن تجعله سببا للفوز برضاك ولقائك ولقاء حبيبك محمد - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم .

                                                                                                          وافق الفراغ من تسويده وقت أذان العصر في يوم الاثنين المبارك حادي عشر ذي الحجة الحرام سنة ثنتي عشرة بعد مائة وألف مضت من الهجرة النبوية ، هجرة من له الشرف الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والصحابة والآل التابعين لهم بإحسان إلى يوم [ ص: 696 ] الدين .

                                                                                                          ثم إنه لم يكن في خلدي قط أن أتعرض لذلك ، لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك ، ولكن الله من فضله قد شاء ، ويسر لي ذلك ، فلله الحمد والشكر على ما هنالك ، وعسى أن ينفع به نفعا جما ، ويفتح به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما ، فرحم الله من نظر بعين الإنصاف إليه ، ووقف فيه على خطأ فأطلعني عليه ، وإني لجدير بأن أنشد قول القائل :

                                                                                                          حمدت الله حين هدى فؤادي لما أبديت مع عجزي وضعفي
                                                                                                          فمن لي بالخطأ فأرد عنه ومن لي بالقبول ولو بحرف

                                                                                                          وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق . . . إلى تمام السورتين ، فإني الحقيق بأن أنشد قول من قال من أهل الكمال :

                                                                                                          إني لأرحم حاسدي لفرط ما ضاقت صدورهم من الأوغار
                                                                                                          نظروا صنيع الله بي فعيونهم في جنة وقلوبهم في نار
                                                                                                          لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي فكأنما علقتها بمنار

                                                                                                          لكن من يكن الله معينا له وتوكله عليه لا يضره حسد الحاسدين ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، ما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية