الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر نبذة من معجزاته عليه الصلاة والسلام

وإن كان أكثر ما نورده هنا قد سبق إيراده لكن مفرقا ، والغرض الآن ذكره مجموعا كما فعلنا في الباب الذي قبله ، فمن ذلك : القرآن ، وهو أعظمهما ، وشق الصدر ، وإخباره عن البيت المقدس ، وانشقاق القمر ، وأن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله ، فخرج عليهم ، فخفضوا أبصارهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، وأقبل حتى قام على رؤوسهم ، فقبض قبضة من تراب وقال : "شاهت الوجوه" ، وحصبهم ، فما أصاب رجلا منهم شيء من ذلك الحصى إلا قتل يومبدر . ورمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم ، فهزمهم الله تعالى . ونسج العنكبوت عليه في الغار ، وما كان من أمر سراقة بن مالك بن جعشم ، إذ تبعه في خبر الهجرة ، فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد . ومسح على ضرع عناق لم ينز عليها الفحل ، فدرت . وقصة شاة أم معبد . ودعوته لعمر أن يعز الله به الإسلام . ودعوته لعلي أن يذهب الله عنه الحر والبرد ، وتفل في عينيه وهو أرمد فعوفي من ساعته ولم يرمد بعد ذلك . ورد عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خده ، فكانت أحسن عينيه . ودعا لعبد الله بن عباس بالتأويل والفقه في الدين ، ودعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ، ودعا لأنس بطول العمر ، وكثرة المال والولد ، ودعا في تمر حائط جابر بالبركة ، فأوفى غرماءه ، وفضل ثلاثة عشر وسقا . واستسقى ، عليه الصلاة والسلام ، فمطروا أسبوعا ، ثم استصحى لهم فانجابت السحابة . ودعا على عتيبة بن أبي لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام . وشهدت له الشجر بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام ، فقال : هل من شاهد على ما تقول ؟ فقال : "نعم هذه الشجرة" ، ثم دعاها فأقبلت ، فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ، ثم رجعت إلى منبتها ، وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا ، وأمر أنسا أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن : أمركن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن تجتمعن ، فاجتمعن ، فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن ، ونام فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه ، فلما استيقظ ذكرت [ ص: 376 ] له ، فقال : "هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها . وسلم عليه الحجر والشجر ليالي بعث : السلام عليك يا رسول الله ، وقال : "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن" ، وحن إليه الجذع ، وسبح الحصى في كفه ، وسبح الطعام بين أصابعه ، وأعلمته الشاة بسمها ، وشكا إليه البعير قلة العلف . وكثرة العمل ، وسألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها وتعود ، فخلصها فعادت ، وتلفظت بالشهادتين . وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر ، فلم يعد واحد منهم مصرعه . وأخبر أن طائفة من أمته يغزون في البحر ، وأن أم حرام بنت ملحان منهم ، فكان كذلك ، وقال لعثمان بن عفان : تصيبه بلوى شديدة فأصابته وقتل .

وقال للأنصار : "إنكم ستلقون بعدي أثرة" ، فكانت زمن معاوية .

وقال في الحسن : "إن ابني هذا سيد ، ولعل الله ، تعالى ، أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" ، فصالح معاوية ، وحقن دماء الفئتين من المسلمين . وأخبر بقتل الأسود العنسي الكذاب ، وهو بصنعاء ليلة قتله وبمن قتله .

وقال لثابت بن قيس : "تعيش حميدا وتقتل شهيدا" ، فقتل يوم اليمامة . وارتد رجل ولحق بالمشركين فبلغه أنه مات ، فقال : "إن الأرض لا تقبله" ، فكان كذلك .

وقال لرجل يأكل بشماله : "كل بيمينك" ، فقال : لا أستطيع ، فقال له : "لا استطعت" ، فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد . ودخل مكة عام الفتح والأصنام حول الكعبة معلقة ، وبيده قضيب ، فجعل يشير به إليها ويقول : "جاء الحق وزهق الباطل" ، وهي تتساقط .

وقصة مازن بن الغضوبة ، وخبر سواد بن قارب : وأمثالهما كثير . وشهد الضب بنبوته ، وأطعم ألفا من صاع شعير بالخندق فشبعوا ، والطعام أكثر مما كان ، وأطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق ، وجمع فضل الأزواد على النطع فدعا لها بالبركة ، ثم قسمها في العسكر ، فقامت بهم ، وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهن في يده ، وقال : ادع لي فيهن بالبركة ، ففعل : قال أبو هريرة : فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله ، وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع في زمن عثمان . ودعا أهل الصفة لقصعة ثريد ، قال أبو هريرة : فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم ، وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها ، فجمعه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فصار لقمة ، فوضعها على أصابعه وقال لي : "بسم الله" ، فوالذي نفسي بيده ، ما زلت آكل منها حتى شبعت . ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم ، وتوضؤوا وهم ألف وأربعمائة ، وأتي بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم يسع ، فوضع [ ص: 377 ] أربعة منها ، وقال : "هلموا فتوضؤوا أجمعين" ، وهم من السبعين إلى الثمانين .

وورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي واحدا ، والقوم عطاش ، فشكوا إليه ، فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرسه ، ففار الماء وارتوى القوم ، وكانوا ثلاثين ألفا . وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم ، فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم ، فتفل فيه ، فتفجر بالماء العذب المعين ، وأتته امرأة بصبي لها أقرع ، فمسح على رأسه فاستوى شعره ، فذهب داؤه . وانكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر ، فأعطاه جذلا من حطب ، فصار في يده سيفا ، ولم يزل بعد ذلك عنده ، وكذلك وقع لعبد الله بن جحش يوم أحد ، وعزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول ، فضربها فصارت كثيبا أهيل ، ومسح على رجل ابن عتيك في خبر أبي رافع وقد انكسرت ، فكأنه لم يشتكها قط .

ومعجزاته ، صلى الله عليه وسلم ، أكثر من أن يجمعها كتاب ، أو يحصرها ديوان .

*** [ ص: 378 ] 50

التالي السابق


الخدمات العلمية