الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كتاب خبر مبتدإ محذوف هو عبارة عن القرآن أو السورة، ويجوز على الثاني تقديره مذكرا أي هو أو هذا، وهو الأولى عند جمع رعاية للخبر، وتقديره مؤنثا رعاية للمرجع، وقوله تعالى: أنزلناه إليك صفته، وقوله سبحانه: مبارك أي كثير المنافع الدينية والدنيوية خبر ثان للمبتدإ أو صفة كتاب عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح. وقرئ "مباركا" بالنصب على أنه حال من مفعول "أنزلنا" وهي حال لازمة لأن البركة لا تفارقه، جعلنا الله تعالى في بركاته، ونفعنا بشريف آياته، وقوله عز وجل: ليدبروا آياته متعلق بأنزلناه، وجوز أن يكون متعلقا بمحذوف يدل عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصله ليتدبروا بتاء بعد الياء آخر الحروف، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه بهذا الأصل. أي أنزلناه ليتفكروا في آياته التي من جملتها هذه الآية المعربة عن أسرار التكوين، والتشريع، فيعرفوا ما يدبر ويتبع ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة، وضمير الرفع لأولي الألباب على التنازع، وإعمال الثاني، أو للمؤمنين فقط، أو لهم وللمفسدين، وقرأ أبو جعفر "لتدبروا" بتاء الخطاب وتخفيف الدال، وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما، والأصل لتتدبروا بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها، أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلماء أمته على التغليب، أي لتدبر أنت وعلماء أمتك، وليتذكر أولو الألباب أي وليتعظ به ذوو العقول الزاكية الخالصة من الشوائب، أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم لفرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل، فإن إرسال الرسل، وإنزال الكتب لبيان ما لا يعرف إلا من جهة الشرع كوجوب الصلوات الخمس، والإرشاد إلى ما يستقل العقل بإدراكه كوجود الصانع القديم جل جلاله، وعم نواله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية