الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4587 ) فصل : وإن ادعى رق اللقيط بعد بلوغه مدع ، كلف إجابته ، فإن أنكر ولا بينة للمدعي ، لم تقبل دعواه ، وإن كانت له بينة ، حكم له بها ، فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء ، نقضت تصرفاته ; لأنه بان أنه تصرف بغير إذن سيده ، وإن لم تكن بينة ، فأقر بالرق ، نظرنا ; فإن كان اعترف لنفسه بالحرية قبل ذلك ، لم يقبل إقراره بالرق ، لأنه اعترف بالحرية ، وهي حق لله تعالى ، فلا يقبل رجوعه في إبطالها ، وإن لم يكن اعترف بالحرية ، احتمل وجهين ; أحدهما ، يقبل . وهو قول أصحاب الرأي ; لأنه مجهول الحال ، أقر بالرق ، فيقبل ، كما لو قدم رجلان من دار الحرب ، فأقر أحدهما للآخر بالرق . وكما لو أقر بقصاص أو حد ، فإنه يقبل وإن تضمن ذلك فوات نفسه . ويحتمل أن لا يقبل ، وهو الصحيح ; لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها ، فلم يصح ، كما لو أقر قبل ذلك بالحرية ، ولأنه محكوم بحريته ، فلم يقبل إقراره بالرق ، كما ذكرنا ، ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ، ولا حريتها ، ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه ; لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ، ولم يتجدد له رق بعد التقاطه ، فكان إقراره باطلا . وهذا قول القاسم ، وابن المنذر . وللشافعي وجهان كما ذكرنا . فإن قلنا : يقبل إقراره . صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه دون ماله . وبهذا قال أبو حنيفة ، والمزني ، وهو أحد قولي الشافعي ; لأنه أقر بما يوجب حقا له وحقا عليه ، فوجب أن يثبت ما عليه دون ما له ، كما لو قال : لفلان علي ألف درهم ، ولي عنده رهن . ويحتمل أن يقبل إقراره في الجميع . وهو القول الثاني للشافعي ; لأنه ثبت ما عليه ، فيثبت ما له ، كالبينة ، ولأن هذه الأحكام تبع للرق ، فإذا ثبت الأصل بقوله ، ثبت التبع ، كما لو شهدت امرأة بالولادة ، تثبت ويثبت النسب تبعا لها . وأما إن أقر بالرق ابتداء لرجل ، فصدقه ، فهو كما لو أقر به جوابا . وإن كذبه ; بطل إقراره . ثم إن أقر به بعد ذلك لرجل آخر ، جاز . وقال بعض أصحابنا : يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني ; لأن إقراره الأول تضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى هذا المقر ، فإذا بطل إقراره برد المقر له ، بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره ، فلم يقبل إقراره بما نفاه ، كما [ ص: 53 ] لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق . ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له ، فلم يمنع إقراره ثانيا ، كما لو أقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول . وفارق الإقرار بالحرية ، فإن إقراره بها لم يبطل ولم يرد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية