الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          يلزم الزوجين العشرة بالمعروف ، واجتناب تكره بذله لقوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } قال ابن الجوزي وغيره : وهو المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة . قالوا : قال ابن عباس : إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي ، لهذه الآية وإسناده حسن ، فدل ذلك أنه يلزم تحسين الخلق والرفق ، واستحبهما في المغني .

                                                                                                          واحتمال الأذى ، وقال عز وجل { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } قال ابن الجوزي وغيره : قال ابن عباس : رضي الله عنهما ربما رزق منها ولدا فجعل فيه خيرا كثيرا . قال : وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ، ونبهت على معنيين :

                                                                                                          ( أحدهما ) أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محمودا ، ومحمود عاد مذموما .

                                                                                                          ( والثاني ) أنه لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه ما يكره ، فليصبر على ما يكره لما يحب ، وأنشدوا في هذا المعنى :

                                                                                                          ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب     ومن يتتبع جاهدا كل عثرة
                                                                                                          يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب

                                                                                                          [ ص: 315 ] وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون : معاشرة المرأة بالتلطف مع إقامة الهيبة ، ولا ينبغي له أن يعلمها قدر ماله فتتبسط في الطلب ، وإن كان قليلا احتقرته ، وربما نفرت ، ولا يفشي إليها سرا يخاف من إذاعته ، ولا يكثر من الهبة لها ، فربما استوثقت ثم نفرت ، وقد رأينا جماعة أطلعوا نساءهم على الأسرار ، وسلموا إليهن الأموال ، لقوة محبتهم لهن ، والمحبة تتغير ، فلما ملوا أرادوا الخلاص فصعب عليهم ، فصاروا كالأسرى . ولا ينبغي للعاقل أن يدخل في أمر حتى يدبر الخروج منه ، وليكن للرجل بيت وللمرأة بيت ، وله فراش ولها فراش ، ولا يلقاها إلا في وقت معلوم بينهما ، لتتهيأ له ، فالبعد وقت النوم أصل عظيم ، لئلا يحدث ما ينفر ، وعلى قياسه اللقاء وقت الأوساخ . قال بعض الحكماء : من نام إلى جانب محبوبه فرأى منه ما يكره سلاه .

                                                                                                          وحكى أن كسرى نظر يوما إلى مطبخه وكيف تسلخ [ فيه ] الغنم فعافته نفسه ، وبقي أياما لا يأكل اللحم ، فشكا ذلك إلى بزرجمهر ، فقال : أيها الملك ، العظام على الخوان ، والمرأة على الفراش . وما أحسن ما قال : فإن عيوب جسد الإنسان كثيرة ، ولهذا أقول : لا ينبغي أن يتجرد أحد الزوجين ليراه الآخر ، [ ص: 316 ] وخصوصا العورات ، قال ابن عبد البر : لما زوج أسماء بن خارجة ابنته دخل عليها ليلة بنائها فقال : يا بنية إن كان النساء أحق بتأدبك فلا بد من تأديبك كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا ، ولا تقربي منه جدا فيملك أو تمليه ، ولا تباعدي منه فتنقلي عليه ، وكوني له كما قلت لأمك :

                                                                                                          خذي العفو مني تستديمي مودتي     ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
                                                                                                          ولا تنقريني نقرة الدف مرة     فإنك لا تدرين كيف المغيب

                                                                                                          فإني رأيت الحب في القلب والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب .

                                                                                                          وليكن غيورا . قال النبي صلى الله عليه وسلم { إياكم والدخول على النساء قيل : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } وقال : { أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال الشاعر :

                                                                                                          لا يأمنن على النساء أخ أخا     ما في الرجال على النساء أمين
                                                                                                          إن الأمين وإن تحفظ جهده     لا بد أن بنظرة سيخون

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : قال سليمان بن داود [ عليهما السلام ] لابنه : يا بني ، لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة فترمي بالشر من أجلك وإن كانت بريئة .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية